المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

209

من الإباحة؛ لأنّ جعل الإباحة قد جعلت غايته هي الحرمة في قوله:«كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي»(1) وقوله:«اسكتوا عمّا سكت الله عنه»(2)، واستصحاب عدم الغاية حاكم على المغيّى.

فأوردتُ عليه: أنّه يستحيل كون أحد الضدّين غاية للضدّ الآخر ولو في باب الأحكام، وأنتم تعترفون بذلك، فكيف يعقل جعل الحرمة غاية للإباحة؟

فأجاب: بأنّ الغاية في قوله:«حتّى يرد فيه نهي» أو «اسكتوا عمّا سكت الله عنه» ليست هي الحرمة، وإنّما هي ورود الحرمة وبيانها، فيستصحب عدم بيانها.

وهذا الكلام ترد عليه ثلاثة إشكالات:

الإشكال الأوّل: هو أنّ لازم هذا الكلام هو رفع اليد عن مبنى كون استصحاب المجعول معارضاً باستصحاب عدم الجعل في باب الإباحة، وفي كلّ حكم ثابت في أوّل الشريعة بالإمضاء، فمثلاً الملكيّات العقلائيّة كانت ممضاة في أوّل الشريعة، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يقرّ الناس على أحكامهم العقلائية، ولم يكن يطلب منهم إلاّ أن يقولوا:«لا إله إلاّ الله»، ففي مثل هذه الأحكام ـ أيضاً ـ لا يجري استصحاب عدم الجعل؛ لأنّ أصل الجعل معلوم، واستصحاب عدم الحصّة الزائدة محكوم لاستصحاب عدم تحقّق الغاية، وهي انكسار سكوت الله عنه. وقد أوردتُ هذا الإشكال عليه فاقرّه، ومن هنا عدّل مبناه باستثناء الأحكام الثابتة في أوّل الشريعة امضاءاً من الإباحة وغيرها من قانون تعارض استصحاب المجعول مع استصحاب عدم الجعل.

الإشكال الثاني: أنّه لا دليل على جعل الحرمة أو بيانها غاية للإباحة، فلعلّ الإباحة في أوّل الشريعة كانت إلى أمد معيّن من الزمن، وحينما كان يصل ذلك الزمان كانت الشريعة تجعل الحرمة، فإنّ الدليل على الإباحة في أوّل الشريعة إن كان هو سكوت النبي(صلى الله عليه وآله) في أوّل الشريعة عن الإلزام الدالّ على إمضاء ما عليه الناس من الإباحة وابقائهم عليها ما لم يأتِ البيان على خلافها، فمن الواضح أنّ هذا لا يدلّ على أنّ غاية الإباحة هي الحرمة او بيانها، بل ينسجم مع كون غاية الإباحة هي نفس الزمان الذي تجعل فيه الحرمة وتبيّن فيه، لا ذات الحرمة أو بيانها.


(1) الوسائل: ج 27، ب 12 من صفات القاضي، ح 67، ص 174 بحسب طبعة آل البيت.

(2) لعلّه إشارة إلى ما في الوسائل: ج 27، ب 12 من صفات القاضي، ح 68، ص 175 من نفس الطبعة.