المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

21

على الخلاف، و دليل حجّيّة الثاني يعبّدنا بورود القرينة، و هذا لا يجري في العامّ مع الاستصحاب الجزئي المعارض له، و إنّما يجري في العامّ مع دليل الاستصحاب؛ لكونهما كلامين صادرين من شخص واحد يقدّم ما هو قرينة على الآخر لو كان.

وعليه، فالصحيح هو ما اعتاده الأصحاب(قدس سرهم) من الفرق بين الاستصحاب و خبر الثقة بجعل الدليل المعارض للعامّ في الثاني هو نفس الخبر لا دليل حجّيّته، و في الأوّل هو دليل حجّيّته لا نفس الاستصحاب.

 

الأمر الثالث ـ في كيفية الاستصحاب اصطلاحاً:

أي: في تعريفه بحسب الاصطلاح الاُصولي.

قد عُرِّف الاستصحاب بأنّه: إبقاء ما كان، أي: الحكم ببقائه، وكذا ما أشبه هذا التعريف ممّا جعل الاستصحاب حكماً.

و أورد على ذلك السيّد الاُستاذ بأنّ تعريف الاستصحاب يختلف باختلاف المباني، و لا وجه لجعل هذا تعريفاً له إطلاقاً، فلو بنينا على كون الاستصحاب أصلاً عمليّاً فهو حكم، فيصحّ تعريفه بمثل هذا التعريف. و أمّا لو بنينا على كونه أمارة، فليس حكماً، فإنّ الأمارة إنّما هو اليقين السابق و الشكّ اللاحق، فيجب أن يعرّف الاستصحاب باليقين السابق و الشكّ اللاحق(1).

أقول: بناءً على الانسياق مع هذا المنهج من الكلام يجب أن يعرّف الاستصحاب بالحدوث، فإنّ حدوث الشيء هو الذي يكون أمارة على بقائه لا اليقين السابق ولا الشك اللاحق. أمّا عدم دخل الشكّ اللاحق في الأمارية فواضح. نعم، الشكّ هو موضوع حجّيّة الأمارة. وأمّا عدم دخل اليقين السابق في الأمارية فأيضاً واضح بأدنى تأمّل، فإنّ الملازم للبقاء هو ذات الحدوث، و اليقين كاشف عن الحدوث و يقينٌ بالأمارة، من قبيل أن يتيقّن الشخص بصدور خبر الثقة الذي هو أمارة على حكم.

ثمّ هل المقصود أنّ أصل مبنى الأمارية في باب الاستصحاب يلازم عقلاً تعريف الاستصحاب باليقين السابق مثلاً، أو المقصود هو مجرّد استظهار لمراد الأصحاب الذين كانوا يقولون بالأمارية؟


(1) راجع مصباح الاُصول: ج 3، ص 5 ـ 6.