المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

210

وإن فرض الدليل على الإباحة قوله(عليه السلام):«كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي»، ففيه:

أوّلاً: أنّه مضى في بحث البراءة أنّ المقصود بالورود هو الوصول لا مجرّد بيان الشارع، ويقصد بالإطلاق الإباحة الظاهرية.

وثانياً: أنّها رواية مرسلة نقلها الصدوق(رحمه الله) عن الصادق(عليه السلام)، وليست حجّة للارسال.

وثالثاً: أنّ الرواية وردت عن الصادق(عليه السلام)، أي: وردت بعد عصر التشريع، فلا معنى لتفسيرها بالإباحة الواقعية المغياة بحدوث بيان للحرمة، بل لا بدّ من تفسيرها بإباحة ظاهرية مغيّاة بوصول الحرمة، وحمل الرواية على بيان قاعدة كلّيّة لا يتّفق مصداقها في زمان ورودها وما بعد ورودها، وإنّما اتّفق في زمن النبي(صلى الله عليه وآله) خلاف الظاهر، فإنّ ظاهرها بيان قاعدة تؤثّر فعلاً،لا بيان قاعدة قد انتهى مفعولها.

وإن فرض الدليل على ذلك قوله:«اسكتوا عمّا سكت الله عنه»، ففيه:

أولاً: أنّها مرسلة وردت عن الأمير(عليه السلام)، فلا حجّيّة لها من حيث السند.

وثانياً: أنّ الرواية غير مرتبطة بالمقام، وإنّما مفادها: إنّ ما لم يُلزمكم الله بشيء فعلاً أو تركاً لا تسألوا عنه، ولا تفحصوا، فإنّ السؤال قد يكمّل ملاك الحكم فيأتي الحكم.

الإشكال الثالث: أنّنا لو كنّا نعلم بالحرمة ثمّ شككنا في أنّ الحرمة تبدّلت إلى الكراهة أو لا، أو كنّا نعلم بالوجوب ثمّ شككنا في أنّه تبدّل إلى الاستحباب أو لا، فعندئذ إمّا نقول بأنّ الوجوب والاستحباب وكذلك الحرمة والكراهة أحكام بسيطة، أو نقول بما التزم به المحقّق النائيني(رحمه الله) والسيّد الاُستاذ من أنّ الوجوب والاستحباب كلاهما عبارة عن الحكم الإيجابي والطلب، فإن ضمّ إلى ذلك الرخصة في الترك سمّي استحباباً، وإلاّ سمّي وجوباً. والنهي ـ أيضاً ـ إن ضمّ إليه الترخيص في الفعل سمّي كراهة، وإلاّ سمّي تحريماً. فإن قلنا بالأوّل فهنا يأتي كلامنا، وهو أنّ استصحاب عدم جعل المقدار الزائد من الوجوب أو الحرمة معارض باستصحاب عدم جعل الاستحباب أو الكراهة. وهنا لا يأتي ما ذكره السيّد الاُستاذ من الحكومة، فلئن كان استصحاب عدم الحرمة حاكماً على استصحاب عدم الإباحة؛ لجعل الإباحة مغياة بالحرمة في قوله مثلاً:«كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» فالكراهة والاستحباب لم يثبت جعلهما مغيّين بالحرمة أو الوجوب. وإن قلنا بالثاني بطل هنا استصحاب عدم جعل المقدار الزائد من الوجوب أو الحرمة؛ لأنّ أصل الأمر أو النهي مسلّم البقاء، ويجري استصحاب عدم الترخيص، فيثبت الوجوب او الحرمة.