المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

214

التنبيه الثالث: أنّ للسيّد الاُستاذ إشكالاً(1) في بعض أقسام استصحاب الحكم وقع تحت الشعاع لإشكاله بإيقاع المعارضة بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل، في حين أنّه ليس هذا الإشكال بأقلّ وجاهة من ذاك الإشكال، وهو: أنّ الحكم تارة لا يكون تقطيعه إلاّ باعتبار قطعات الزمان من قبيل نجاسة الماء المتغيّر التي تتقطّع بلحاظ حصص لها بالحدوث والبقاء، وكذا وجوب الجلوس في المسجد ساعتين مثلاً. واُخرى يمكن تقطيعه باعتبار تعدد أفراد الموضوع كحرمة شرب الماء المتغيّر مثلاً، فإنّها تتعدّد بتعدّد أفراد الشرب، أو حرمة الملامسة قبل الطهر التي تتعدّد بتعدّد العمل، ففي القسم الأوّل لا بأس باستصحاب الحكم في نفسه بغضّ النظر عن معارضته باستصحاب عدم الجعل، فإنّ التقطيع ليس إلاّ بلحاظ الزمان المفروض غضّ النظر عنه في الاستصحاب. وأمّا في القسم الثاني فاستصحاب الحكم في نفسه غير جار بغضّ النظر عن المعارضة؛ وذلك لأنّ الملامسة مثلاً لها أفراد عديدة وكذا الشرب قد علمنا بحرمة بعضها، ولا معنى لإسراء الحرمة إلى بعض آخر وهو الملامسة بعد النقاء وقبل الغُسل مثلاً، أو الشرب بعد زوال التغيّر وقبل الاتّصال بالمعتصم بالاستصحاب، فإنّ هذا إسراء للحكم من فرد إلى فرد آخر، ولا معنىً لاستصحاب كلّي الحكم، فإنّه يكون استصحاباً للكلّي من القسم الثالث، كما لو علم بدخول زيد في المسجد وخروجه بعد ذلك، واحتمل دخول عمرو مقارناً لخروج زيد أو قبله، فهنا لا يصحّ استصحاب بقاء كلّي الإنسان.

أقول: إنّ هذا الإشكال ـ أيضاً ـ غير صحيح كإشكال المعارضة لاستصحاب عدم الجعل، وذلك يتّضح بتمهيد مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أنّ معنى كون أفراد مّا أفراداً لكلّي واحد هو أنّه لو قشّرنا أيّ واحد من تلك الأفراد، وأفرزنا منه في الذهن أيّ خصوصية من خصوصياته الشخصية من الطول والقصر واللون مثلاً إلى غير ذلك حتّى خصوصيّة الوجود الذاتي بمعنىً فلسفي، لم يبقَ في الذهن إلاّ نفس ما يبقى من الفرد الآخر عند التقشير، فذلك الذي يبقى هو الكلّي الذي يكون تحته هذه الأفراد، وهو في كلّ الأفراد شيء واحد.

المقدّمة الثانية: أنّ أيّ شيء من العوارض والطوارئ تارة يكون عارضاً على الفرد بخصوصيّاته الفرديّة، واُخرى يكون عارضاً على ذلك الشيء الواحد الجامع بين الأفراد،


(1) راجع المصباح: ج 3، ص 37 ـ 38.