المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

216

ثابتاً لأفرادها التي تكون في ذلك الزمان، ولا نعلم بثبوته لباقي الأفراد، ولا معنىً لإسراء الحكم من تلك الأفراد بالاستصحاب إلى أفراد اخُرى، أو يقال: إنّ الحرمة أو الوجوب كانا ثابتين على أشخاص موجودين في ما قبل السنة السابعة من الهجرة مثلاً، ولا نعلم بثبوتها على أشخاص آخرين وُجدوا بعد ذلك، ولا معنىً لإثبات الحكم عليهم بالاستصحاب.

والجواب: هو نفس الجواب الذي مضى هناك، فنقول إنّ الحكم كان ثابتاً على طبيعي الشرب أو الصلاة مثلاً، وعلى طبيعي الإنسان البالغ، فنستصحبه.

وثانيهما: هو إشكال معارضة هذا الاستصحاب باستصحاب عدم الجعل الزائد على الأفراد المشكوكة من الشرب أو المياه أو الصلوات، أو على الأفراد المشكوك ثبوت الحكم عليهم من الناس؛ لما عرفت من أنّ النسخ يكشف في الحقيقة عن عدم الجعل.

والجواب ـ أيضاً ـ هو ما عرفته من الجواب هناك مفصّلاً.

نعم، هنا إشكال ثالث لم يكن يأتي هناك، وهو: أنّ استصحاب عدم النسخ معارض باستصحاب آخر يكون هو ـ أيضاً ـ استصحاباً لبقاء المجعول، لا استصحاباً لعدم الجعل. توضيحه: انه إذا احتملنا نسخ نجاسة الماء المتغيّر مثلاً، ثمّ تغيّر الماء، فكما يجري استصحاب نجاسة الماء المتغيّر الثابتة في أوّل الشريعة كذلك يجري استصحاب طهارة الماء الثابتة قبل تغيّره.

والجواب: أنّه إن قصد بذلك استصحاب الطهارة العارضة على هذا الفرد بخصوصيّاته الفرديّة، فقد مضى منّا أنّ الأحكام الثابتة بنحو القضايا الحقيقيّة إنّما طرأت على الطبائع الكلّية والجهة المشتركة.

وإن قصد بذلك استصحاب طهارة طبيعة الماء، وهي الحيثيّة المشتركة بين هذا الفرد وسائر الأفراد، بأن يقال: إنّ طبيعة الماء كانت طاهرة قبل التغيّر، ولا ندري هل هذه الطهارة منتقضة بالتغيّر أو لا؟ فنستصحبها، قلنا: إنّنا نقطع بالانتقاض ولو بلحاظ أوّل الشريعة، والمفروض أنّ الطبيعة في أوّل الشريعة هي عين الطبيعة بعد ذلك؛ لأنّنا قلنا: إنّنا إذا نظرنا إلى الحيثية المشتركة لم نَرَ إلاّ شيئاً واحداً وهو الجامع بين جميع الأفراد، فنحن قاطعون بالانتقاض وانفعال هذه الطبيعة بالتغيّر، وشاكّون في بقاء هذا الانتقاض، فأيّ معنىً لاستصحاب طهارة الماء؟!

نعم، لو غفلنا عن وحدة طبيعة الماء قبل احتمال النسخ وطبيعته بعد احتمال النسخ، وتخيّلنا أنّهما شيئان، فقد يقال: إنّ طبيعة الماء قبل احتمال النسخ كانت طاهرة، وكانت