المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

217

تنجس بالتغيّر، وطبيعة الماء بعد احتمال نسخ النجاسة ـ أيضاً ـ طاهرة، ولا ندري هل تنجّست بالتغيّر أو لا، فنستصحب الطهارة، ولكن مع فرض هذه الغفلة لا يبقى معنىً لاستصحاب نجاسة الماء المتغيّر الثابتة قبل احتمال النسخ؛ لأنّنا تخيّلنا أنّ هذه بعد النسخ طبيعة أُخرى غير الطبيعة التي كانت محكومة بالنجاسة قبل النسخ.

إن قلت: بناءً على هذا ينسدّ باب استصحاب الطهارة في الشبهات الموضوعيّة، فلو شككنا في طهارة ماء لاحتمال ملاقاته للنجس لا يمكننا أن نجري استصحاب الطهارة بغضّ النظر عن حكومة الاستصحاب الموضوعي عليه؛ وذلك لأنّنا نعلم بلا شكّ بانتقاض الطهارة في بعض أفراد اُخرى، فهل نقصد هنا استصحاب طهارة هذا الفرد بالخصوص، أو نقصد استصحاب طهارة طبيعي الماء؟ فإن قصد استصحاب طهارة هذا الفرد بالخصوص قلنا: إنّ الطهارة لا تعرض على الفرد بخصوصيّاته الفرديّة. وإن قصد استصحاب طهارة طبيعي الماء، قلنا: إنّ طهارة طبيعي الماء نعلم بانتقاضها ولو في ضمن فرد آخر.

قلت: هناك فرق بين ما نحن فيه وبين هذا المثال، وهو أنّنا في هذا المثال إنّما انتقض علمنا بطهارة طبيعي الماء لا بلحاظ طبيعي الماء من دون دخل أيّ خصوصيّة غير موجودة في هذا الفرد، وإنّما علمنا بانتقاض الطهارة في الماء بما هو متخصّص بخصوصيّة لم يعلم بوجودها في هذا الفرد، وتلك الخصوصيّة هي ملاقاة النجاسة، فاستصحاب طهارة طبيعي الماء يكون بلحاظ هذا الفرد الذي لا يعلم فيه بهذه الخصوصيّة جارياً. وأمّا في المقام فنحن نعلم بانتقاض طهارة طبيعي الماء في زمن البقاء العنواني، وهو زمن التغيّر من دون دخل أيّ خصوصيّة يحتمل عدم وجودها في هذا الفرد الذي أمامنا غير خصوصيّة الزمان، فإنّ المفروض أنّ نفس هذا الفرد لو كان في أوائل الشريعة لكان محكوماً عليه بالنجاسة؛ لكونه متغيّراً، فكأنّ طهارة طبيعي الماء مقطوعة الانتقاض حتّى بلحاظ هذا الفرد، فليس هذا الفرد بلحاظ طبيعيّه مسبوقاً بالطهارة غير المنتقضة، وإنّما هو مسبوق بحالة مركّبة وهي طهارة ترتفع بالتغيّر، فلا معنىً لجريان استصحاب الطهارة. نعم، الماء المتغيّر حالته السابقة هي النجاسة، فيجري استصحاب النجاسة.

ولا يخفى أنّه ليس مقصودنا من أمثال هذه التحليلات إثبات المدّعى(وهو هنا استصحاب عدم النسخ) بهذه التحليلات، بل المدّعى يثبت بالاستظهار العرفي، وإنّما المقصود تحليل النكتة الارتكازيّة العرفيّة التي أوجبت استظهاراً من هذا القبيل، ففي المقام مثلاً إنّما نحكم باستصحاب عدم النسخ بحكم الفهم العرفي؛ ولذا نرى أنّه لم يستشكل أحد