المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

218

مئآت السنين في استصحاب عدم النسخ قبل أن يدخل مثل هذه التدقيقات في الاُصول، بل جعل من القدر المتيقّن من الاستصحاب.

ولنذكر هنا بنحو الاختصار بهذه المناسبة(1) مدا اعتمادنا على هذه التدقيقات في مجال الظهورات العرفيّة، وخلاصة الكلام في ذلك: أنّه لا إشكال في أنّ المعتبر شرعاً هو الظهور الاجتماعي العرفي، ولا إشكال في أنّ الظهور الذاتي الشخصي، أي: ما يُلقي الكلام في ذهن الشخص المعيّن من معنىً إنّما يكون معتبراً في أماريّته على الظهور الاجتماعي، ولا إشكال في أنّ هناك نكات ومناشئ كثيرة مؤثّرة في تكوّن ذاك الظهور الاجتماعي العرفي، وتلك التدقيقات تنفعنا في عدد من المجالات.

فأوّلاً: قد يتّفق أنّ ظهوراً عرفياً مّا يغفل عنه الشخص، ولا يتكوّن في نفسه ظهور ذاتي طبقاً لذاك الظهور العرفي نتيجة خفاء وخمول عنده في ارتكازيّة تلك النكات والمناشئ الموجبة لخلق الظهور الذاتي وفقاً للظهور العرفي، ويتّفق أنّه لو نشّطت له تلك الارتكازات وأُلفت نظره بالتفصيل إليها تكوّن الظهور الذاتي في نفسه، ويأخذ به باعتباره أمارة على الظهور العرفي.

مثاله: رواية عليّ بن جعفر:(سأل أخاه موسى بن جعفر(عليه السلام) عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال: لا، إلاّ أن يضطرّ إليه)(2) فالأضطرار في هذه الرواية ظاهر في معنى انحصار الماء به، وليس بمعنى التقيّة، وقد ينكر أحد ذلك، فتُبيّن له نكتة هذا الظهور، وهي إضافة الاضطرار إلى الماء دون الوضوء، فقد ينقدح عندئذ تكويناً في نفسه الظهور الذاتي، والذي هو أمارة على الظهور العرفي.

وثانياً: قد يتّفق تشكيك الشخص في الظهور لشبهة مّا، فهو بالرغم من إحساسه الأوّلي بالظهور يرى أنّ هذا الإحساس غير صحيح؛ لأنّه لا يلتئم مع قواعد الكلام العربية مثلاً، فهو يحسّ بفهم الاستصحاب الحكمي من صحيحة زرارة، إلاّ أنّه يقول: إنّ هذا الإحساس غير صحيح لعدم تصوّر حدوث وبقاء في المقام، فلو أُلفِت نظره إلى الحدوث والبقاء العنوانيين وقيل له: لعل العرف يكتفي بذلك عن الحدوث والبقاء الحقيقيين، فقد ترتفع الشبهة عن نفسه.


(1) هذا البحث موكول إلى مبحث الظواهر، وقد بحث هنا مختصراً دفعاً لما قد يختلج بالبال، وذكره بعض الحضار من الإشكال.

(2) الوسائل: ج 3، ب 14 من النجاسات، ح 9، ص 421 بحسب طبعة آل البيت.