المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

219

وثالثاً: قد يتّفق أنّ إبراز نكتة وتقريب لظهور مّا لا يقدح في نفس الشخص الإحساس بالظهور الذاتي، ولكن مع ذلك قد يوجب له الجزم والاطمئنان بمجموع القرائن، وبتكثير النظائر، وبالسبر والتقسيم والحصر، ونحو ذلك بكون الحال في هذا المورد الذي لم يحسّ فيه بالظهور الفلاني تماماً كالمورد الآخر الذي أحسّ به فيه، فمثلاً يرى أنّه لا فرق بين دلالة مقدّمات الحكمة على مفهوم الشرط الذي لم يتكوّن في نفسه ظهور ذاتي على طبقه، ودلالتها على الإطلاق في مثل(أحلّ الله البيع) مثلاً الذي انقدح في نفسه الظهور الذاتي على طبقه، فيعرف أنّ عدم تكوّن هذا الظهور الإطلاقي في نفسه في الشرط مثلاً نشأ من عامل خارجي كأن درس عند اُستاذ كان ينكر مفهوم الشرط ونحو ذلك، فيأخذ عندئذ بهذا الظهور.

أمّا إذا لم يحصل له مثل هذا الجزم والاطمئنان فلا عبرة له بتلك النكات والتحليلات الفنيّة.

التنبيه الخامس: لا إشكال بناءً على مبنى السيّد الاُستاذ من تصوير المجعول في مقابل الجعل في جريان الاستصحاب الحكمي في الشبهات الموضوعية لو لم يجر الاستصحاب الموضوعي لنكتة مّا؛ إذ من الواضح أنّ المجعول يطول بطول الموضوع، فمع الشكّ يمكن استصحاب بقاء المجعول، ولكن يقع الكلام في ذلك بناءاً على مبنانا من إنكار المجعول؛ إذ يمكن أن يقال عندئذ: إنّه لا مجال لاستصحاب النجاسة مثلاً عند الشكّ في بقاء التغيّر؛ إذ لو قصد استصحاب المجعول فقد فرضنا إنكار المجعول، ولو قصد استصحاب الجعل فنحن قاطعون ببقاء جعل نجاسة الماء المتغيّر.

نعم، في الشبهة الحكميّة قد تصوّرنا للحكم حدوثاً وبقاء عنوانياً، فقلنا: إنّ نجاسة الماء حين ثبوت التغيّر هي حدوث عنواني للحكم، ونجاسته بعد زوال التغيّر هي بقاء عنواني للحكم، وعلى هذا الأساس كنّا نجري الاستصحاب. وأمّا في الشبهة الموضوعيّة فلا شكّ في حدود الجعل حتّى يشكّل حدوث وبقاء عنواني.

والجواب: أنّ هنا مسامحة ثانية يرتكبها العرف عند تحقّق الموضوع خارجاً، وهي: أنّه حينما ينظر إلى عنوان الماء المتغيّر بالحمل الأوّلي ـ وقد تحقّق المصداق والمعنون في الخارج ـ فهو يرى أنّه ينظر إلى المعنون ويرى العنوان بهذا النظر(أي: بالنظر إليه بالحمل الأوّلي) نفس المعنون ومنطبقاً عليه، وإلاّ لما كان عنواناً له، ومن هنا يرى عندئذ حدوثاً وبقاءً عنوانياً للحكم بتبع حدوث وبقاء الموضوع الخارجي، فيجري استصحابه.