المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

22

فإن كان المقصود هو الأوّل، فمن الواضح عدم هذه الملازمة، إذ من الممكن أن يجعل اليقين السابق مثلاً أمارة حجَّةً يثبت به الحكم بالبقاء، ولكن لا يسمّى هذا اليقين بالاستصحاب، بل يسمى هذا الحكم الثابت ببركة هذا اليقين بالاستصحاب. وإن كان المقصود هو الثاني، بأن يقال: إنّهم قد عبّروا بلفظ الأمارة، فقالوا: إنّ الاستصحاب أمارة، فهذا شاهد على أنّهم يسمّون نفس اليقين السابق مثلاً بالاستصحاب؛ لأنّه هو الذي يكون أمارة، قلنا: هذا التعبير إن دلّ في لسان من يقول: (بأنّ الاستصحاب أمارة) على أنّه يسمّي اليقين السابق بالاستصحاب فهو يدل في لسان من يقول: (بأنّ الاستصحاب ليس أمارة) ـ أيضاً ـ على ذلك، فإنّه يقصد نفي أمارية اليقين السابق، لا نفي أمارية الحكم، فإنّ عدم كون الحكم الشرعي هو الأمارة مما لا كلام فيه.

والخلاصة: أنّ هذا التعبير المناسب مثلاً لتعريف الاستصحاب باليقين السابق يوجد في لسان كلا الطائفتين، كما أنّ التعبير بما يناسب تعريف الاستصحاب بالحكم كأنْ يقال: إنّ الاستصحاب هو حرمة نقض اليقين مثلاً ـ أيضاً ـ قد يوجد في لسان كلا الطائفتين.

هذا. ولا شغل لنا بالفحص و صرف العمر في استظهار مقصود الأصحاب بالتتبع في كلماتهم، لنرى أنّه ـ بحسب ما يظهر من مجموعها ـ هل يجعلون الاستصحاب اسماً لهذا أو لذاك.

ثمّ إنّ المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره) أورد على تعريف الاستصحاب بكونه إبقاء ما كان إشكالات عديدة(1) أَقتصِرُ على ذكر واحد منها، و هو: أنّه هل المقصود الإبقاء العملي، أو المقصود الإبقاء الحكمي و الجعلي؟ أمّا الأوّل فهو وإن كان ينسجم مع فرض كون مدرك الإستصحاب هو الروايات، لكونها آمرة بالإبقاء العملي، ومع فرض كون مدركه بناء العقلاء؛ لان العقلاء يبنون على العمل، لكنّه لا ينسجم مع فرض مدركه العقل؛ لأنّ العقل يدرك بقاء الحالة السابقة ظنّاً، وهذا غير الإبقاء العملي. وأمّا الثاني فهو وإن كان ينسجم مع فرض كون مدرك الاستصحاب هو الروايات لأنّها تحكم بالبقاء، ومع حكم العقل ـ ولو مسامحة ـ بأن يسمّى إدراك العقل حكماً، ولكنه لا ينسجم مع فرض كون المدرك بناء العقلاء؛ لأنّ بناء العقلاء يكون على العمل، وهذا هو الإبقاء العملي، لا الحكم بالبقاء.

أقول: يمكن الأخذ بكلّ واحد من الفرضين مع دفع إشكاله:


(1) راجع نهاية الدراية: ج 3، ص 1 ـ 5.