المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

221

منها، فإنّ هذا ليس محلّه هنا، وإنّما نتكلّم هنا بالمقدار المرتبط بالمقام، وهو وقوع الشكّ في الحكم الشرعي ليكون مجال للاستصحاب وعدمه بالنسبة لكلّ واحد من هذه المباني الأربعة:

المبنى الأوّل: ما اختاره المحقّق الإصفهاني(رحمه الله) من أنّ تلك الأحكام هي في الحقيقة أحكام جعليّة، جعلتها العقلاء حفظاً للنظام والمصالح الاجتماعيّة، فما رأوا فيه مصلحة اجتماعيّة حسّنوه ومدحوا فاعله، وما رأوا فيه مفسدة اجتماعيّة قبّحوه وذمّوا فاعله، والشارع الذي هو رئيس العقلاء جرى طبعاً طبق منهجهم، فصنع ما صنعوه، وجعل ما جعلوه، ومدح من مدحوه، وذمّ من ذمّوه، ومدحه ثوابه، وذمّه عقابه. وذكر المحقّق الإصفهاني مبنيّاً على ذلك: أنّه لا يتصوّر أنْ يشكّ شخص في حسن شيء أو قبحه، فإنّ ذلك من صنع العقلاء، وهو منهم، وبالتالي لا يشكّ في الحكم الشرعي المستكشف من ذلك(1)؛ لكونه بملاكه وتابعاً له، بل ذهب(قدس سره) إلى انه لا يتصوّر الشكّ حتّى بنحو الشبهة الموضوعيّة، بأن يقال مثلاً: إنّ الكذب المضرّ قبيح، ثمّ يشكّ في مضرّيّة كذب مّا، فيشكّ في قبحه وبالتالي في حكمه الشرعي؛ وذلك لأنّ الحسن والقبح إنّما هما من صفات الأفعال الاختيارية، واختيارية الشيء فرع الوصول والعلم به، فمع الشكّ وعدم الوصول ليس اختيارياً حتّى يحسن أو يقبح، إذن فعند الشكّ يقطع بارتفاع الحسن أو القبح، ولا يشكّ فيه(2).

أقول: يرد على ذلك:

أوّلاً: أنّ عقلائية الحسن والقبح وكون ذلك بجعلهم لا يمنع من أن يشكّ شخص فيه، فإنّه قد تفرض تمامية الجعل من قبل العقلاء السابقين، ثمّ يأتي شخص ويشكّ في تحقّق هذا الجعل وعدمه من قبل العقلاء، فإنّ هذا الجعل التابع للمصالح والمفاسد العامّة ليس شيئاً لا يمكن بقاؤه مجهولاً؛ إذ ليس كل مصلحة أو مفسدة عامة أو بديهية يعرفها عموم الناس؛ لأنّ للمصالح والمفاسد مراتب، وقد يقع الشكّ لبعض في بعضها، وهذه الجعول العقلائية حالها


(1) لا يخفى: أنّ الشيخ الإصفهاني لا يؤمن باستكشاف الحكم الشرعي الجعلي المولوي في موارد الحسن والقبح العقليين، وإنّما يؤمن بأنّ ما لدى العقلاء من الحسن والقبح والمدح والذم والثواب والعقاب هو الموجود ـ أيضاً ـ لدى المولى.

(2) لعلّ مجموع ما نسبه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) إلى الشيخ الإصفهاني في المقام منتزع من مجموع ما ورد في الجزء الثالث من نهاية الدراية ص 31 ـ 38، و ص 333 ـ 348، بحسب طبعة آل البيت.