المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

222

حال جعول العقلاء للّغة التي كثيراً مّا ترى وقوع الشكّ فيها، فيشكّ شخص في حدود المعنى اللغوي الذي جعلته العقلاء للفظ الفلاني، فلا يدري أنّ كلمة(الماء) مثلاً تشمل الماء المخلوط بالتراب بالنسبة الكذائية أو لا؟ بالرغم من أنّه أيضاً عاقل، وليس العقلاء يشترطون في جعلهم لحسن شيء أو قبحه اتّفاق كلّ من يأتي إلى يوم القيامة على كونه ذا مصلحة أو ذا مفسدة.

وثانياً: لو سلّمنا أنّ العقلاء لا يشكّون في الحسن والقبح الذي يجعلونه تبعاً لما يدركونه من المصالح والمفاسد، ولكن لماذا لا يشكّون في الحكم الشرعي المستكشف بهذا الطريق؟! ومجرّد فرض أنّ الشارع هو رئيس العقلاء فلا يخالفهم في تحسين ذي المصلحة وتقبيح ذي المفسدة لا يستلزم عدم فرض أو سعية جعل الشارع من جعل العقلاء، فهو باعتباره أعقل وأكمل منهم قد يدرك مدىً أبعد للمصلحة أو المفسدة التي أدركوها ولم يستطيعوا أن يدركوها بتلك الحدود الواسعة.

وثالثاً: أنّ فرض عدم تصوير الشكّ بنحو الشبهة الموضوعيّة بالبيان الماضي غير صحيح.

فأوّلاً: قد مضى في بحث التجرّي منع كون الاختيار تابعاً للعلم والوصول.

وثانياً: لو فرض الاختيار تابعاً للعلم والوصول قلنا: لم يثبت أنّ الحسن والقبح بعد فرضهما أمرين جعليين يتبعان الاختيار، ولماذا لا يكونان كسائر الجعول المتعلّقة بأشياء بعناوينها الواقعيّة؟!

المبنى الثاني: ما اختاره المحقّق الخراساني(رحمه الله) في تعليقته على الرسائل من أنّ الحسن والقبح العقليين عبارة عن انبساط وانقباض يحصلان في القوّة العاقلة حينما تدرك الأفعال الحسنة والأفعال القبيحة، فكما أنّ القوى المودعة في الحواسّ الخمس تنبسط وتلتذّ حينما تحسّ بما يلائمها، وتنقبض وتتاثّر حينما تحسّ بما ينافرها، فالقوّة الذائقة مثلاً تلتذ بالحلاء وتنفعل وتنقبض بالمرارة، فيقال: إنّ هذا الطعم لذيذ، وهذا الطعم غير لذيذ، كذلك القوّة العاقلة الدرّاكة حينما تدرك ما يلائمها من الوفاء والمواساة وكتمان السرّ ونحو ذلك تنبسط وتلتذّ، ويقال عن تلك الأشياء: إنّها من المحسّنات العقليّة، وحينما تدرك ما ينافرها من الظلم والخيانة ونحو ذلك تشمئزّ وتتأثّر، ويقال عن تلك الأشياء: إنّها من القبائح