المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

223

العقلية(1).

ونقول بناءً على هذا المبنى: إنّنا لو اقتصرنا على مجرّد أنّ القوّة المدركة المخلوقة فينا تنبسط بإدراك بعض الأشياء وتشمئزّ وتتأثّر بإدراك بعض الأشياء الاُخرى، فهذا بمجرّده لا معنى لأن يستكشف به الحكم الشرعي؛ إذ لا وجه لدعوى الملازمة بين الحكم الشرعي وانبساط هذه القوّة أو انقباضها، كما لا ملازمة بين الحكم الشرعي وانبساط القوّة الذائقة مثلاً وانقباضها، ولو قلنا مثلاً: إنّ وضع الله تعالى في الإنسان هذه القوّة المدركة الواجدة لهذه الخاصيّة يكون لأجل حفظ المصالح الاجتماعيّة، فقد وضع الله فينا قوّة مدركة تنبسط للأشياء التي فيها مصالح اجتماعيّة، وتنقبض عن الأشياء التي فيها مفاسد اجتماعيّة، وبذلك جُبلنا على حفظ المصالح الاجتماعيّة والتجنّب عن المفاسد الاجتماعيّة، فيستكشف الحكم الشرعي بملازمته لانبساط القوّة المدركة وانقباضه من باب كونه كاشفاً عن المصالح والمفاسد، فالحكم الشرعي في الحقيقة يتبع تلك المصالح والمفاسد، فعندئذ من الواضح تعقّل الشكّ في دائرة المصالح والمفاسد، وبالتالي الشكّ في دائرة الحكم الشرعي.

المبنى الثالث: أنّ الحسن والقبح العقليّين أمران موضوعيّان ثابتان في لوح الواقع يدركهما العقل تماماً كالاُمور التي يدركها العقل النظري، وليسا جعليّين كما في المبنى الأوّل، ولا موجودين في اُفق الإدراك وذاتيّين للإدراك كما في المبنى الثاني، وعلى هذا المبنى من الواضح تعقّل الشكّ فيهما، وبالتالي الشكّ في الحكم الشرعي.

المبنى الرابع: أن نفكّك بين الحسن والقبح بمعنى استحقاق المدح والذم ومنشئهما، أي: وقوع الشيء موقعه ووقوعه في غير موقعه فالثاني وهو منشأ استحقاق المدح والذم أمر واقعي موضوعي يدركه العقل، والأوّل وهو استحقاق المدح والذم ـ أيضاً ـ أمر واقعي موضوعي، لكن اُخذ في موضوعه العلم بالمنشأ، أي: كون الشيء واقعاً في موقعه أو غير واقع في موقعه. وهذا ما ذهب إليه السيّد الاُستاذ(2).

وعلى هذا يجب أن نرى أنّ المدّعى هل هو الملازمة بين الحكم الشرعي ومنشأ الاستحقاق أو هو الملازمة بين الحكم الشرعي وهذا الاستحقاق الذي اُخذ في موضوعه


(1) راجع الفائدة 13 من فوائد الشيخ الخراساني(رحمه الله) المطبوعة بطبعة مكتبة بصيرتي الملحقة بتعليقته على الرسائل ص 330 ـ 331.

(2) لم أجده في فحصي الناقص في مصباح الاُصول للسيّد سرور تقريراً لبحث السيّد الخوئي(رحمه الله)ولا في الدراسات للسيّد علي الشاهرودي.