المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

224

العلم بالمنشأ، فإن قلنا بالأوّل كان حال هذا المبنى هو حال المبنى الثالث، فمن المعقول الشكّ في ذلك المنشأ كتعقّل شكّ العقل النظري في الاُمور الموضوعيّة، فإنّ ذلك المنشأ أمر واقعي موضوعي ثابت خارج نطاق العقل والإدراك، وإذا شكّ فيه فقد شكّ في الحكم الشرعي. وإن قلنا بالثاني لم يتصوّر الشكّ في غير حالة الوسوسة وما يلحق بها(1)، فإنّه: إمّا أن يعلم بكون الشيء واقعاً في موقعه أو في غير موقعه، أو لا يعلم به، وهذا العلم أمر وجداني يراجع فيه وجدانه، فإن كان موجوداً فقد ثبت الحسن والقبح حتماً، وإلاّ لم يكن هناك حسن وقبح حتماً.

الوجه الثاني: أنّه لا يتصوّر في أحكام العقل العملي وبالتالي في الأحكام الشرعيّة التابعة لها شكّ بنحو الشبهة الموضوعيّة إلاّ مع فرض الجهل بحدود الموضوع، ومعه لا يحرز بقاء الموضوع، فلا يجري الاستصحاب، فإنّه لو علم الموضوع بحدوده وقيوده كأن علم مثلاً أنّ القبيح من الكذب هو الكذب المضرّ لا أعمّ ولا أخصّ من ذلك، فمن الواضح أنّه لا يعقل الشكّ في بقاء قبح كذب بنحو الشبهة الحكميّة، وإنّما يقع الشكّ في ذلك بنحو الشبهة الحكميّة من باب انتفاء قيد نحتمل دخله في الموضوع، فكيف نُجري الاستصحاب مع عدم إحراز وحدة الموضوع؟!

وهذا الإشكال قد يورد على الاستصحاب في مطلق الشبهات الحكميّة أعمّ من أن يكون دليل الحكم فيها حكم العقل العملي أو الدليل اللفظي؛ إذ لا يتصوّر الشكّ في أيّ حكم بنحو الشبهة الحكمية إلاّ مع عدم معرفة حدود موضوعه.

والذي يجاب به عادة عن هذا الاشكال الذي يورد على مطلق الشبهات الحكميّة أمران،فيجب أن يُلحظ المختار من الجوابين هناك ليُرى أنّه هل يجري في المقام أو لا؟ فإن جرى في المقام لم يتمّ هذا الوجه، وإلاّ تمّ هذا الوجه.

والتحقيق: أنّه إن اقتصر في باب مطلق الشبهات الحكميّة على الجواب الأوّل عن هذا الإشكال فبالإمكان أن يقال بعدم جريانه في المقام، فيتسجّل الإشكال هنا. وأمّا إن قلنا بصحّة الجواب الثاني كما هو المختار، فلا يبقى وجه للتفكيك بين الشبهات الحكميّة في الأحكام الثابتة بالدليل اللفظى وبينها في الأحكام الثابتة بواسطة العقل العملي. والوجهان مايلى:


(1) المقصود بذلك فرض دوران الأمر بين ثبوت منشأ الحسن في نطاق الإدراك بمقدار ضئيل جداً وعدمه بحيث يكون الفارق بين طرفي الدوران ضئيلاً إلى حدّ يقع الشكّ والتردّد فيه.