المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

235

على أنّه لو لم نقبل ثبوت الإبرام في مفهوم اليقين كفانا ـ أيضاً ـ لحاظ العنصر الثاني من عنصري مفهوم النقض في تصحيح استعمال النقض، وقلنا أيضاً: إنّ النكتة البلاغية في استعمال كلمة(النقض) بدلاً عن(الرفع) هي إبراز فظاعة رفع اليد عن علمه، كما أنه بهذه النكتة ـ أيضاً ـ عبّر باليقين لا بالعلم مثلاً حيث إنّ لفظ اليقين أعمق وأبلغ في إعطاء الاستحكام، فالتعبير به يؤثّر في إبراز فظاعة النقض.

هذا تمام الكلام في المقدمة الثانية، وهي: أنّه لا يصحّ إسناد النقض الى المتيقّن إلاّ مع فرض إحراز المقتضي، وقد عرفت عدم تماميتها.

والآن نشرع في الكلام عن المقدمة الاُولى، وهي: أنّ النقض ـ بحسب الواقع ـ مسند إلى المتيقّن لا إلى اليقين وإن كان في ظاهر العبارة مسنداً إلى اليقين.

وهذه الدعوى يمكن صوغها بعدة صياغات:

الصياغة الاُولى: أن يقال: إنّ كلمة(اليقين) استعملت مجازاً في المتيقّن.

ولا يخفى: أنّ هذه الدعوى في نفسها في غاية الوهن؛ إذ مضافاً إلى أنّ استعمال اليقين في المتيقن مجازاً ليس استعمالاً مقبولاً عرفاً لا يناسب ذلك خصوص عبارة الحديث في المقام؛ إذ قد اُضيف فيها اليقين إلى المتيقّن، فقيل: إنّك كنت على يقين من وضوئك، فكيف يصحّ أن نحمله على إرادة المتيقّن مجازاً؟! ولو فرض أنّ المقصود باليقين في قوله:«كنت على يقين من ضوئك» هو اليقين لا المتيقّن، ولكن المقصود بقوله عقيب ذلك:«ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ» هو المتيقّن، كان هذا أيضاً ـ كما ترى ـ تفكيكاً ركيكاً وخلاف الظاهر جدّاً.

إلاّ أنّه قد يستدلّ على هذه الدعوى ـ أي: دعوى كون اليقين مستعملاً مجازاً في المتيقّن ـ بوجهين ذكرهما في الكفاية وأبطلهما:

الوجه الأوّل: أنّ النهي عن النقض يستدعي القدرة عليه، ونقض اليقين ليس مقدوراً وإنّما المقدور هو نقض المتيقّن.

ويمكن أن يقول شخص: إنّنا وإن سلّمنا عدم القدرة على نقض اليقين، ولكنّنا نرجع النقض إلى المتيقّن بصياغة اُخرى غير استعمال اليقين في المتيقّن مجازاً، ولكن هذا باعتباره راجعاً إلى إحدى الصياغات الاُخرى نؤجّل الكلام عنه، ولا نذكره كإبداء مناقشة على الكلام هنا.

وعلى أيّ حال فقد أجاب المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية على هذا الوجه بأنّه: إن اُريد بالنقض النقض الحقيقي، فهو غير مقدور حتّى في المتيقّن، وإذا كان مقدوراً ـ كما لو علم