المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

239

ونلحظ عنوانه لا واقعه فقد افنينا واقعه وأخذنا بعنوانه، ولاحظناه فقط، فكأنّنا تخيّلنا أنّ هذا العنوان هو واقعاً حيوان وناطق ويتمتّع بخصوصيات الإنسان الخارجي، فهذا هو المعنى المعقول لما يقال من أنّ عنوان الإنسان لوحظ فانياً في معنونه ومصداقه، وبهذا يظهر أنّ الفاني هو الذي يكتسب لون المفنيّ فيه لا العكس.

وبما ذكرنا من شرح نكتة الفناء ظهر ـ أيضاً ـ بطلان ما يظهر من عبارة الكفاية من أنّ مفهوم اليقين يلحظ في المقام فانياً في مفهوم المتيقّن من باب سريان الفناء من المصداق إلى المفهوم باعتباره عنواناً للمصداق، فإنّه وإن كان المفهوم عنواناً للمصداق ووجهاً له ولكنّه لا يسري الفناء إليه؛ لعدم تحقّق نكتة الفناء فيه، فإنّ مصداق اليقين فان في المتيقّن، بمعنى: أنّه حينما يلحظ ما في نفس صاحب اليقين من عدالة زيد مثلاً بالحمل الأوّلي يُرى أنّه حالة في زيد وكمال له، وإن كان حينما يلحظ بالحمل الشائع يُرى أنّه حالة نورانية لصاحب اليقين، وأمّا مفهوم اليقين الموجود في ذهن شخص فهو لا يُرى عين المتيقّن لا بالحمل الأوّلي ولا بالحمل الشائع، فإنّه بالحمل الأوّلي عبارة عن الانكشاف، وبالحمل الشائع عبارة عن حالة في نفس متصوِّره وجزء من ذهنه وأفكاره، فما يظهر من عبارة الكفاية من لحاظ مفهوم اليقين فانياً في مفهوم المتيقّن غير معقول.

إلاّ أنّ المظنون أنّ مراده(رحمه الله) ليس هو ما يظهر من عبارته، بل مراده ما ذكره في تعليقته على الرسائل.

الصياغة الثالثة: ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) في تعليقته على الرسائل من أنّ اليقين اُريد به بحسب المدلول الاستعمالي معناه الحقيقي، لكنّه كنّى به عن مراد جدّي هو المتيقّن، من قبيل ما يقال من أنّ زيداً كثير الرماد، فتكون كلمة(كثير الرماد) مستعملة في معناها الحقيقي، لكنّ المقصود الجدّي هو الكرم وكثرة الضيف(1).

وسوف يأتي ـ إن شاء الله ـ تحقيق حال هذا الوجه، وأنّه هل يحمل الكلام في المقام على الكناية أو لا، إلاّ أنّنا نذكر هنا أنّ هذا الوجه لو تمّ لم يفد الشيخ الأعظم(قدس سره).

توضيحه: أنّ الشيخ الأعظم(رحمه الله) كأنّه يرى كفاية ما في اليقين من الاستحكام ـ كما عبّر به في الكفاية ـ أو الالتفات حول المتيقّن ـ كمّا عبّرنا به ـ في صحة استعمال النقض إذا كان مسنداً إلى اليقين، فحاول بيان: أنّ النقض يرجع إلى المتيقّن حتّى يظهر الاحتياج إلى إبرام أو


(1) راجع حاشية كتاب فرائد الاُصول، ص 188 بحسب طبعة مكتبة بصيرتي.