المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

244


وخير ما قيل بصدد الفرق بين التشريعات التكليفية والتشريعات الوضعية هو: أنّ التشريعات التكليفية هي التي توجّه سلوك المكلف مباشرة، والتشريعات الوضعية هي التشريعات التي لا توجّه سلوك المكلف مباشرة، بل إمّا شرّعت لتكون موضوعات لأحكام تكليفيّة أو تكون هي منتزعة من أحكام تكليفيّة، فهي تنظّم توجيهات ترد لسلوك المكلف أكثر من أن تكون موجّهة مباشرة لسلوك المكلف، في حين أنّ الأحكام التكليفيّة توجّه مباشرةً سلوك المكلف، فهي تقول: افعل، أو تقول: لا تفعل، أو تقول: يحسن أن تفعل، أو تقول: لا يحسن أن تفعل، أو تقول: أنت مخيّر مثلاً، وما إلى ذلك.

وقد اتّضح من ضمن هذا الكلام الذي ذكرناه أنّ الأحكام الوضعيّة على قسمين:

أحدهما: تشريعات تصبح موضوعات لأحكام تكليفية، من قبيل الزوجيّة مثلاً التي هي تشريع الهيّ من تشريعات الإسلام، وليست هي توجّه مباشرة سلوك المكلف، لكنّها تكون موضوعاً للأحكام التكليفيّة التي توجّه مباشرة سلوك المكلف من وجوب النفقة، أو وجوب الوطء أو جوازه، أو ما شابه ذلك من أحكام، وكذلك الملكيّة مثلاً التي هي تشريع الهيّ، وهي ـ أيضاً ـ موضوع للأحكام التكليفيّة التي هي الموجّهات المباشرة من قبيل جواز التصرّف من قبل المالك، أو حرمة التصرّف من قبل غير المالك، وما شابه ذلك.

والقسم الآخر: الأحكام الوضعيّة التي هي في طول الأحكام التكليفيّة بالانتزاع منها، وإن سمّيناها تشريعيّة فهي مشرّعة بالتّبع أو بالعرض والمجاز، وليست مشرّعة بالمعنى الحقيقي للكلمة، كما هو الحال في مثل شرطية الشي للمكلف به، أو جزئيّته أو مانعيّته.

هذان هما القسمان المألوف ذكرهما بالنسبة للأحكام الوضعيّة.

تقسيم الشيخ الخراساني للأحكام الوضعيّة:

إلاّ أنّ الشيخ الخراساني(رحمه الله) قسّم الأحكام الوضعيّة إلى ثلاثة أقسام بدلاً عن أن يقسّمها إلى قسمين، فقال: إنّ الأحكام الوضعية تنقسم إلى أقسام ثلاثة: أوّلها ما لا تناله يد التشريع أصلاً، لا بالاستقلال كما نقوله مثلاً في الملكيّة والزوجيّة، ولا بالتبع، أو قل: بالانتزاع من أحكام اُخرى كالشرطيّة للمكلف به، بل هي اُمور حقيقية وواقعية وتكوينية لا تجعل جعلاً تشريعياً ولو بالتبع وبالعرض والمجاز، أو بالانتزاع، وإن شئت أو أحببت أن تعبّر أنه تنالها يد الجعل قل: تنالها يد جعل التكوين، لا يد جعل التشريع، وذلك بتكوين موضوعها، وذلك من قبيل السببية والشرطية والمانعية بالنسبة لأصل التكليف، من قبيل أنّ زوال الشمس شرط، أو سبب لوجوب الصلاة، أو خلّو المرأة من الحيض شرط لوجوب الصلاة، او قل: الحيض مانع عن وجوب الصلاة، أو اليقظة شرط لوجوب الصلاة، أو الحضر شرط لوجوب التمام، أو الصوم او الصحّة شرط لوجوب الصوم، وما شابه ذلك. والقسم الثاني والثالث من هذه الأقسام الثلاثة الواردة في كلام المحقق الخراساني(رحمه الله)هما المعروفان، حيث إنّ القسم الثاني هو الذي تناله يد الجعل مباشرة بلا واسطة مستقلاً، كما أنّه يمكن ـ أيضاً ـ أن تناله يد الجعل انتزاعاً كالملكية مثلاً، حيث إنّ الملكية يمكن أن تنالها يد الجعل مباشرة بأن يشرّع المولى الملكية ويمكن ان يفترض أنّ