المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

249


الشريعة قبل زوال الشمس، وهذا الجعل يصبح فعلياً حينما تزول الشمس، وزوالها سبب أو شرط لفعليّة وجوب الصلاة، فلا يمكن ان تكون هذه الشرطيّة منتزعة من فعليّة وجوب الصلاة، وهذا صحيح، ولا يدّعي أحد أنّ شرطيّة زوال الشمس منتزعة من فعليّة وجوب الصلاة، إنّما المدّعى أنّ شرطيّة زوال الشمس منتزعة من جعل وجوب الصلاة، أي: حينما جعل المولى وجوب الصلاة ولم يجعله على الإطلاق بل جعله مقيداً بزوال الشمس انتزعت من ذلك شرطية الزوال، سنخ ما يقال في شرط المكلف به: من أنّه حينما أوجب الصلاة مقيّدة بالوضوء انتزع من ذلك أنّ الوضوء شرط في المكلّف به، فعين ذاك الكلام يأتي في طرف التكليف أيضاً.

وإذا أردنا أن نتكلّم بلغة اُستاذنا(رحمه الله) الذي لا يقبل بلغة الجعل والفعليّة، فهنا لا نحتاج إلاّ إلى تغيير بسيط في العبارة، فنقول: هذا خلط بين الجعل وطرفيّة الموضوع للجعل، أو طرفيّة الزمان للجعل، فهذه الطرفيّة متوقّفة على زوال الشمس، أمّا أصل الجعل فليس متوقّفاً على زوال الشمس، فإنّ الجعل حصل قبل زوال الشمس، ونحن لا نريد أن ننتزع، أو لا نريد أن نفترض أنّ شرطيّة زوال الشمس منتزعة من تلك الطرفيّة، إنّما المدّعى: أنّ شرطيّة زوال الشمس منتزعة من الجعل، فجعل وجوب الصلاة المقيّد بزوال الشمس ينتزع منه أنّ زوال الشمس شرط، فهذا البيان الأوّل غير تامّ.

ونحن حتّى الآن ناقشنا هذا البيان الأوّل بعد أخذه من عبارة الكفاية وحمله على المعنى الذي شرحناه.

إلاّ أنّ الشيخ الخراساني(رحمه الله) نفسه قد ذكر هذا البيان في تعليقه على الرسائل بمنهج قد يختلف في ظاهره عمّا حملنا عليه عبارة الكفاية، وخلاصة ما ورد فيه هي: تفسير المسألة بالدور، حيث ذكر: أنّ سببيّة زوال الشمس مثلاً لو كانت منتزعة عن وجوب الصلاة عند زوال الشمس لكان ذلك دوراً؛ لأنّ وجوب الصلاة متأخّر رتبة أو ذاتاً عن زوال الشمس تأخّر المسبّب عن السبب، ولو كانت السببيّة منتزعة عن وجوب الصلاة إذن أصبح السبب متأخراً عن وجوب الصلاة تأخّر المنتزع عن المنتزع عنه، وهذا دور(1).

وهنا يأتي إشكال تلميذه الشيخ الإصفهاني(رحمه الله) حيث اعترض عليه: بأنّ هذا خلط بين السبب والسببيّة، فوجوب الصلاة متأخّر عن ذات السبب، أي: عن ذات زوال الشمس، وليس السبب منتزعاً عن وجوب الصلاة، وإنّما سببيّته منتزعة عنه(2)، هذا جواب الشيخ الإصفهاني.

ولكن مع ذلك أنا أقول: يمكن توجيه كلام الشيخ الآخوند أو تأويله بأن يقال: لعلّ ظاهر العبارة في التعليقة غير مقصود مثلاً ولو حملاً لكلام الآخوند على الصحّة، باعتبار استبعاد غفلة الآخوند عن هكذا إشكال، وذلك بأن يوجّه كلامه(رحمه الله) بحمله على ما ذكرناه من أن يكون المقصود: أنّ وجوب الصلاة متأخّر عن زوال الشمس تأخّر المسبب عن السبب، وصحيح أنّ وجوب الصلاة متأخّر عن ذات زوال الشمس، لكن لمّا كانت نكتة التأخّر هي السببيّة إذن يجب أن تكون سببيّته محفوظة في المرتبة السابقة على هذا الوجوب؛ كي يمكن أن يترتّب على زوال الشمس وجوب الصلاة. أمّا لو كانت السببيّة متأخّرة عن الوجوب فلا يمكن أن يتفرّع وجوب الصلاة عن


(1) راجع تعليق الآخوند على الرسائل: ص 195 بحسب طبعة بصيرتي

(2) راجع نهاية الدراية: ج 5، ص 105 بحسب طبعة آل البيت