المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

250


زوال الشمس. وبكلمة اُخرى: أنّ المعلول كما يكون متأخّراً رتبة عن ذات العلّة كذلك يكون متأخّراً عن نكتة العلّيّة، فحتّى التعبير بالدور الوارد في عبارة الشيخ الخراساني في تعليقه على الرسائل يمكن توجيهه بهذا التفسير، فوجوب الصلاة المتأخّر عن زوال الشمس لسببيّته متأخّر عن سببيّته، فإذا كانت السببيّة منتزعة عن الوجوب لزم الدور، ولا يرد على ذلك ما ذكره الشيخ الإصفهاني(رحمه الله) من إشكال الخلط بين السبب والسببيّة، ولكن يرد عليه ما مضى من إشكال الخلط بين الجعل والمجعول، أو الجعل والطرفيّة للجعل.

هذا. وللمحقق الإصفهاني(رحمه الله) ملاحظة اُخرى على كلام الشيخ الخراساني لا بأس بالإشارة إليها هنا بالمناسبة وإن كانت هذه الملاحظة لا تعود إلى برهان الشيخ الخراساني على نفي الجعل التبعي، وإنما تعود إلى أصل التعبير بالجعل التبعي حيث يقول: إنّ هذا خلط بين مصطلح الجعل التبعي ومصطلح الجعل الانتزاعي، فلدينا الحكم أو الجعل الانتزاعي أو العرضي أو المجازي، وكذلك لدينا الجعل التبعي. يقول الشيخ الآخوند: إنّ بعض أقسام الحكم الوضعي مجعول بالجعل التبعي مثل الجزئية والشرطية والمانعية بالنسبة للمكلّف به، لا بالنسبة للتكليف، والتعبير الأدّق أن يقال عنها بأنّها مجعولة بالجعل العرضي أو المجازي أو الانتزاعي، وليس بالجعل التبعي؛ ذلك لأنّ التبعي يعني الجعل الحقيقي، غاية ما هناك أنّه يكون بتبع جعل آخر، مثاله جعل وجوب المقدّمة في رأي من يقول: إنّ وجوب ذي المقدّمة يستدعي وجوب المقدّمة، أي: إنّ المولى إذا أوجب ذا المقدّمة أوجب المقدّمة حتماً؛ لأنّ المكلّف غير قادر على الإتيان بذي المقدّمة من دون الإتيان بالمقدّمة، فوجوب المقدّمة ينال جعلاً حقيقياً، إلاّ أنّ هذا الوجوب وجوب تبعي أو هذا الجعل جعل تبعي، أي: إنّه كان بتبع جعل وجوب ذي المقدّمة وليس وجوباً أصلياً، فالجعل التبعي لا يختلف عن الجعل الأصلي في أنّه جعل حقيقي تحقّق باختيار المولى وفعل من أفعال المولى، غاية ما هناك أنّه حقّقه بالتبع، أي: لم يكن مقصوداً بالأصالة، إنّما المقصود بالأصالة هو ذو المقدمة وإيجابه، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فالقول: بأنّ شرطيّة الطهارة للصلاة أو جزئيّة السورة للصلاة مجعولة جعلاً تبعيّاً كما قال الآخوند(رحمه الله)لا يخلو من المسامحة؛ لأنّ الجعل الشرعي لم يَنَل جزئية السورة، ولا شرطية الطهارة، إنّما الشريعة غاية ما فعلت أنّها أوجبت الصلاة مع سورة، أو أوجبت الصلاة بقيد الطهارة، وتنتزع من ذلك شرطية الطهارة أو جزئية السورة، فهذا انتزاع، أو قل: هذا جعل مجازي أو عرضي، أمّا الجعل التبعي فلا.

هذا تعليق يذكره الشيخ الإصفهاني(رحمه الله) في المقام، وهذا الكلام صحيح إلاّ أنّه ـ كما ترى ـ مجرّد تعليق لفظي.

وعلى أيّة حال، فلنعد الآن إلى مناقشة الوجه الثاني من الوجهين الواردين في كلام الشيخ الخراساني في المقام، فنقول:

مناقشة الدليل الثاني للشيخ الخراساني:

وأمّا الوجه الثاني، فكان يقصد به إبطال مطلق الجعل الاستقلالي والتبعي أو الانتزاعي، وكانت خلاصته؛ أنّ الشرطية والسببية والمانعية والجزئية لموضوع التكليف ترجع جميعاً في مرحلة التكليف إلى عالم العلّيّة بما لها من تحليلات وأجزاء، والعلّيّة عبارة عن خاصيّة تكوينية قهريّة ذاتيّة موجودة في الأشياء كما قال الفلاسفة بذلك، ولو