المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

261


حكم العقل، فبعد الإرادة والكراهة يكون على المولى أن يبرزها، ولو لم يبرز لم نعلم بذلك، ونقع تحت قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فالمولى يبرز حتّى يقطع هذه القاعدة، وهذا الإبراز فعل للمولى، ومن مقولة الفعل، وليس جعلاً، فأين الجعل! وأيّ حاجة إلى الجعل! وأيّ قيمة للفرض والاعتبار؟! وإنّما تلك الإرادة والكراهة هي روح الحكم، وهي التي يجب علينا أن نمتثلهما حينما تبرز أو نطلح عليهما، والمولى أبرزهما بالإنشاءآت، وهذه الإنشاءآت ليست جعلاً واعتباراً، وإنّما هي إبرازات تبرز ما في نفس المولى(1).

فهذان مسلكان متقاربان أحدهما ينكر الجعل والاعتبار في باب الأحكام الوضعية للغويّة ذلك، وعدم ترتّب أيّ أثر عليه، والثاني ينكر الجعل والاعتبار في باب الأحكام التكليفية للغويّة ذلك أيضاً، وعدم ترتّب أيّ أثر عليه.

والذي يستخلص من كلمات اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في الحلقة الثالثة الإجابة عليهما بما يلي من الجوابين المتقاربين:

أمّا مسلك إنكار الجعل والاعتبار في باب الأحكام التكليفية لعدم ترتّب أيّ ثمرة عليه، فجوابه: أنّ عناصر الحكم الثبوتية في الحقيقة ثلاثة: مبادئ الحكم المتمثّلة في المصالح والمفاسد، ثمّ الحبّ والبغض، أو الإرادة والكراهة المنبثقتين من المبادئ الاُولى، أعني: المصالح والمفاسد، ثمّ تحديد مركز حقّ الطاعة بصبّ الشيء في العهدة حيث قد يتّفق أنّ المولى لا يريد أن يكون مصبّ الملاك هو المنصّب في العهدة، بل يريد أن يكون مقدّمة مّا لذاك المصب أو ملازمٌ من ملازماته هو المنصّب في العهدة؛ لكونه أوضح فهماً للمكلف، أو لأيّ نكتة اُخرى، وكما أنّ للمولى حقّ الطاعة في ما يريده كذلك له حقّ تحديد مركز حقّ الطاعة، أو تحديد ما يريد أن يصبّه في العهدة، ويكون الجعل والاعتبار صياغة عرفية غالبية مستخدمة للكشف عن هذا المصبّ لحقّ الطاعة، أو عن الصبّ في العهدة(2).

وأمّا مسلك إنكار الجعل والاعتبار في باب الأحكام الوضعيّة لأجل اللغويّة وعدم ترتّب أثر عمليّ عليه فجوابه ما يلي:

إنّ الأحكام الوضعية التي تعود إلى الجعل والاعتبار الاستقلالي ذات جذور عقلائية، والغرض من جعلها تنظيم الأحكام التكليفية وتسهيل صياغتها التشريعية، فلا تكون لغواً، فصحيح أنّه كان بالإمكان جعل أحكام الزوجيّة أو الملك من دون جعل الزوجية أو الملك، ولكن ممّا يوجب تسهيل الصياغة التشريعية لتلك الأحكام هو جعل شيء مركزي اسمه الملك أو الزوجية، وربط كلّ تلك الأحكام المتفرّقة بها، فيقال مثلاً: المملوك يحرم غصبه والمملوك يجوز لصاحبه التصرّف فيه، أو يحرم للغير التصرّف فيه وما إلى ذلك، أو يقال: الزوج له كذا


(1)راجع نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع ص 88 ـ 89 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم. والمقالات: ج 2، ص 369 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي

(2) راجع الحلقة الثالثة لدروس في علم الاُصول: ج 1، ص 22 بحسب الطبعة الاولى المنشورة من قبل دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب المصري