المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

264


ونستطيع أن نفترض السورة جزءً وذلك كما لو تصوّرنا أو تصوّر المولى في ذهنه الحمد والسورة معاً بحيث صبّ تصوّره على مجموع الأجزاء العشرة قبل أن يأمر بها، فيكون كلّ منها جزءً لما تصوّر، لكن متى تكون السورة شرطاً للمأمور به؟ أو متى تكون السورة جزءً من المأمور به؟ كلاهما يكونان حينما يأمر المولى، فحينما يأمر المولى بالفاتحة محصّصة بالاقتران بالسورة تكون السورة شرطاً للمأمور به، ومتى ما يأمر المولى بالمجموع، أي: بمجموع الحمد والسورة، تكون السورة جزءً للمأمور به، فعلى أيّ حال، هذا الفارق لا نفهمه فارقاً واضحاً بين الجزئيّة وبين الشرطيّة والمانعيّة.

إشكال الاستصحاب في الأحكام الوضعيّة:

وأمّا الأمر الرابع، وهو البحث عن التفصيل في الاستصحاب بين الأحكام التكليفيّة والأحكام الوضعيّة، فقد قيل: إنّ صاحب هذا التفصيل هو الفاضل التوني(رحمه الله)، فقد فصّل بين الأحكام التكليفيّة والأحكام الوضعيّة، وقال: إنّ الأحكام التكليفيّة يجري فيها الاستصحاب، ولكن الأحكام الوضعيّة(أو قل: الأحكام الوضعيّة الانتزاعيّة) لا يجري فيها الاستصحاب؛ لأنّ الأحكام الوضعيّة عقليّة انتزاعيّة انتزعها العقل، فلا معنى لاستصحابها(قد ورد في تقرير بحث الشيخ العراقي نسبة هذا التفصيل إلى الفاضل التوني(1)، إلاّ أنّ الموجود في كتاب الرسائل للشيخ الأنصاري؛ هو عكس ذلك، أي: إنّ الفاضل التوني ينكر الاستصحاب في الحكم التكليفي، ويقبله في الحكم الوضعي.)(2).

وأجاب عن ذلك الشيخ العراقي(رحمه الله) فقال: نحن لا نحتاج في الاستصحاب إلى أكثر من أن يكون أمر وضعها ورفعها بيد الشارع، والأحكام الوضعيّة حتّى إذا كانت انتزاعيّة فأمر وضعها ورفعها بيد الشارع ولو بواسطة منشأ انتزاعها، فحتّى لو فرضت اُموراً انتزاعيّة، أو ليس منشأ انتزاعها بيد الشارع وهو الذي يخلق ويجعل منشأ الانتزاع أو يرفعه؟! فالمنتزع ـ أيضاً ـ يكون بيد الشارع تبعاً، فلماذا لا يجري الاستصحاب؟! هذا كلام الشيخ العراقي(رحمه الله)(3).

وهذا المقدار من الكلام غير كاف؛ لأنّه صحيح أنّ الاُمور الانتزاعيّة أمر وضعها ورفعها بيد الشارع، لكنّنا لا يكفينا في الاستصحاب مجرّد أن يكون أمر رفع ووضع الشيء بيد الشارع، بل نحتاج إلى شيء آخر، وهو الأثر العملي؛ لأنّ الاستصحاب أصل عملي ورد للتنجيز والتعذير، وورد لإثبات الآثار العمليّة، فيجب أن نرى: هل هناك أثر عملي لاستصحاب الجزئيّة والشرطيّة مثلاً أو لا أثر عملي لذلك؟

السيد الخوئي(رحمه الله) يقول على ما ينقل عنه: إنّ الاستصحاب جار(وهو يناقش في أصل الاستصحاب في الشبهات الحكميّة) ويقول بعد فرض تسليم الاستصحاب في الشبهات الحكميّة: إنّ الاستصحاب جار بلا فرق بين


(1) نهاية الأفكار القسم الأوّل من الجزء الرابع ص 87 بحسب طبعة جماعة المدرسين بقم

(2) راجع الرسائل: ص 328 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعاليق رحمة الله

(3) راجع نهاية الأفكار نفس الجزء ونفس الصفحة