المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

266


غاية الوضوح، أمّا لو قلنا بأنّ الملكيّة عنوان منتزع من جواز التصرّف ونحوه من الأحكام التكليفيّة، وليست موضوعاً لحكم من تلك الأحكام، فهنا نقول: لا معنى لاستصحاب الملكيّة؛ لأنّ الاستصحاب إنّما يجري فيما له أثر، وهذا الأمر الانتزاعي لا أثر له شرعي، ولا أثر شرعي لاستصحابه، فلا يجري استصحابه، وإنّما يجب أن ننتقل إلى استصحاب الحكم، وعندئذ قد يختلّ الاستصحاب، فلو أنّ جواز التصرّف كان مختلاًّ؛ وذلك لسفه، أو صغر، أو جنون، أو نحو ذلك من أسباب الحجر، وبعد ذلك ارتفع السبب، وفي نفس الوقت شككنا في بقاء الملكيّة، فلو كانت الملكيّة هي الموضوع للحكم فما أسهل أن يجري استصحاب الملكيّة، وإذا استصحبنا الملكيّة يترتّب عليها جواز التصرّف؛ لأنّ الحاجب قد ارتفع والملكيّة مستصحبة، فيجوز التصرّف. أمّا لو فرضنا أنّ الملكيّة أمر انتزاعي بحت منتزع من الأحكام، فهنا استصحاب الملكيّة لا معنى له، واستصحاب جواز التصرّف لا معنى له؛ لأنّ جواز التصرّف كان مسبوقاً بالعدم، فهنا يشكل الاستصحاب من هذه الناحية، إلاّ أن نفحص عن استصحاب موضوعيّ آخر ينتهي إلى نفس النتيجة العمليّة، وهذا قد يحصل وقد لا يحصل.

حقيقة الطهارة والنجاسة:

وأمّا الأمر الخامس: وهو البحث عن حقيقة الطهارة والنجاسة، هل هما حكمان جعليّان جعلتهما الشريعة أو أنّهما أمران حقيقيّان تكوينيّان واقعيّان كشفت عنهما الشريعة؟ فلعلّ المشهور بين المحققين المتأخّرين هو: أنّ النجاسة والطهارة حكمان جعليان جعلتهما الشريعة، ولكن نسب إلى الشيخ الأنصاري(رحمه الله) أنّ الطهارة والنجاسة أمران تكوينيّان واقعيّان، فالنجاسة نوع قذارة واقعيّة حقيقيّة، والطهارة نوع نظافة معنويّة واقعيّة حقيقيّة، وليستا جعليّتين، والشريعة كشفت عنهما وأخبرتنا عنهما.

استدلال السيّد الخوئي على مجعوليّة الطهارة والنجاسة:

إختار السيّد الخوئي(رحمه الله) ما هو المشهور من كونهما أمرين مجعولين، ووردت في ما نسب إليه في تقرير بحثه عدّة وجوه لذلك(1)، وهي ما يلي:

الوجه الأوّل: ظاهر نصوص الشريعة أنّها بصدد التشريع وليست بصدد الإخبار عن الواقع.

وهذا الكلام فيه احتمالان: أحد الإحتمالين ما لعلّه الأظهر، وهو: أنْ يكون مقصوده بذلك: أنّ الأصل في كلام المشرّع أنّه قد صدر منه بما أنّه مشرّع وليس بما هو مخبر، فحينما يقول: جعل الله الماء طهوراً، أو حينما يقول: الماء طاهر، والبول قذر أو نجس، أو الكلب رجس نجس، أو نحو ذلك فالظاهر من هذه الكلمات أنّها صدرت منه بما أنّه مشرّع، أي: إنّها ظاهرة في الجعل والتشريع، وحملها على الإخبار باعتباره مطّلعاً على أسرار العالَم وخصائص الأشياء فيخبرنا أنّ الكلب فيه قذارة والماء فيه طهارة ونظافة خلاف الظاهر، بل ظاهر كلام المشرّع أنّه كلام صدر منه بما هو مشرّع.


(1) راجع مصباح الاصول: ج 3 ص 84 ـ 85 بحسب طبعة مطبعة النجف