المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

276

وثانياً: أنّنا لا نكتفي بما مضى في الإشكال الأوّل من دعوى أنّه لم يثبت كون مفاد(لا ينقض) هو النفي، بل نترقّى عن ذلك ونقول: إنّ الذي يظهر منه هو إرادة النهي لا النفي؛ إذ لو كان يقصد النفي لكان مقتضى التعبير العرفي أن يسند النفي إلى الانتقاض لا النقض، بأن يقول: لا ينتقض اليقين بالشكّ، فإنّ المناسب للنفي في المقام هو الشيء بوجهته الخارجية وبالمعنى الاسم المصدري، لا بوجهته الصدورية وبالمعنى المصدري، والثاني إنّما يناسب ارادة النهي.

وثالثاً: أنّه لو سلّمنا كون المستفاد من دليل الاستصحاب بمدلوله المطابقي هو النفي، قلنا: إنّ هذا لا يكفي في كون نفي نقض اليقين بمعنى إنشاء بقاء اليقين ودالّاً بالمطابقة على ذلك، بل إنّما يتمّ ذلك إذا كان المقصود بالنقض النقض الحقيقي لا النقض العملي، وسوف يظهر ـ إن شاء الله ـ في نهاية هذا البحث أنّ المقصود هو النقض العملي.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقّق العراقي(رحمه الله)، فهو قد سلّم منذ البدء كون مفاد الدليل هو النهي، وسلّم ـ أيضاً ـ كون المقصود بالنقض النقض العملي لا الحقيقي، فلا يرد عليه شيء من الإشكالات السابقة، وبنى على أنّ المقصود بالنهي هو المعنى الأوّلي للنهي، أي: التحريم، لا على كونه كناية عن شيء آخر، وذكر(قدس سره) أنّ الحديث قد دلّ على حرمة النقض العملي لليقين، أي: أنّه دلّ على وجوب الجري العملي بنحو كأنّه متيقّن، أي: أنّه يعمل ما كان يعمله، لو كان متيقّناً، ومن المعلوم أنّه لو كان متيقّناً لكان يعمل على طبق التنجيز والتعذير، وكان يعمل ـ أيضاً ـ بآثار جُعل هذا اليقين موضوعاً لها، فكذلك الآن، وهذا يعني قيام الاستصحاب مقام العلم الطريقي والموضوعي معاً.

وبكلمة اُخرى: أنّ النقض العملي لليقين يكون على نحوين: أحدهما: عدم العمل بأثره المترتّب عليه بما هو يقين طريقي. والثاني: عدم العمل بأثره المترتّب عليه بما هو يقين موضوعي، ومقتضى إطلاق الحديث شموله لكلا القسمين(1).

أقول: أوّلاً: إنّنا تارة نفرض النقض في مقابل الإبرام من باب إبرام اليقين بالمتيقّن، واُخرى نفرضه بمعنى الرفع:

فعلى الأوّل: يكون من الواضح عدم شمول النقض العملي لليقين لرفع اليد عن الحكم


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 78 ـ 79، والمقالات: ج 2، ص 366 ـ 367 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي بقم.