المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

278

الذي فرض موضوعه اليقين قد زال يقيناً لولا تشريع جواز آخر بنفس دليل الاستصحاب، إذن فهذا نقض لليقين باليقين. نعم، هذا اليقين قد تولّد من الشكّ، وصار الشكّ سبباً له، لكن هذا غير نقض اليقين بالشكّ.

الوجه الثالث: فرض الحديث كناية عن التعبّد ببقاء اليقين، وجعل العلم والطريقية، فيترتّب عليه كلا قسمي آثار العلم. وتصوير الكناية يكون بأحد وجهين:

الأوّل: فرض النقض نقضاً حقيقياً. والنقض الحقيقي لليقين وإن كان غير مقدور فلا يمكن تعلّق النهي به، لكنّنا نفرض النهي نهياً كنائياً لا حقيقياً، فلا مانع من تعلّقه به، ويكون كناية عن عدم الانتقاض، من قبيل: (لا تصلّ أيّام أقرائك)، حيث إنّ الصلاة غير مقدورة لها بناءً على كونها اسماً للصحيح، ويكون النهي كناية عن عدم إمكان الصلاة، فبقرينة وجود الانتقاض تكويناً يعرف أنّ المقصود هو التعبّد بعدم الانتقاض، وجعل العلم والطريقية.

الثاني: فرض النقض نقضاً عملياً. وبالرغم من أنّ النقض العملي يكون من عمل الشخص فقد يقال: أيّ مانع من تعلّق النهي الحقيقي به؟ لا يحمل النهي على التحريم، بل يجعل كنائياً، وذلك بقرينة: أنّ الاستصحاب ليس مختصّاً بالأحكام الإلزامية التي يعقل فيها تحريم النقض، فقد يجري في غيرها، ولا معنىً لحرمة النقض العملي بلحاظ مثل إباحة عمل أو استحبابه مثلاً، وهذا هو السرّ في أنّ المحقّق النائيني(رحمه الله) بالرغم من حمله للنقض على النقض العملي ذهب إلى أنّ المستفاد من دليل الاستصحاب هو جعل العلم ببعض مراتبه(1)، فاذا التفتنا إلى أنّ النهي التحريمي في غير الآثار الإلزامية لا معنى له قلنا: إنّ النهي عن النقض العملي لليقين الذي هو لازم الانتقاض الحقيقي لليقين كناية عن عدم الملزوم. وهذه الكناية تفترق عن التقريب الأوّل للكناية بكونها أبعد مسافة منها على التقريب الأوّل؛ لأنّ النهي في التقريب الأوّل كان عن نفس الملزوم، وهو نقض اليقين كنايةً عن عدمه، وهنا يكون نهياً عن اللازم كنايةً عن عدم الملزوم.

وهذا الوجه الثالث بكلا تقريبيه يوجد بينه وبين الوجه الأوّل قاسم مشترك، وهو القول بأنّ مفاد حديث الاستصحاب جعل العلم والطريقية. ويبدو ذلك في بادئ الرأي شيئاً مستحيلاً؛ وذلك لأنّ اليقين والشكّ قد اُخذا موضوعاً للاستصحاب، أي: متعلّقاً للمتعلّق في


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 3، ص 19 بحسب طبعة جامعة المدرّسين في قم، و ج 4، ص 486 و 596 من نفس الطبعة، وراجع أجود التقريرات: ج 2، ص 9.