المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

28

عدم المانع؛ فان العقلاء لا يبنون على تحقّق النتيجة بمجرّد ثبوت المقتضي تعبّداً صِرفاً، وإنّما يبنون على تحقّقها باعتبار نفي وجود المانع بأمارة من الأمارات، وهذا الأصل لو قسناه إلى استصحاب عدم المانع، فالفرق بينهما هو: أنّ الاستصحاب قائم على أساس أمارية ثبوت العدم سابقاً على ثبوته لاحقاً، وأصالة عدم المانع قائمة على أساس أماريّة ثبوت المقتضي على عدم المانع، بدعوى: أنّ الغالب في المقتضيات عدم اقترانها بالمانع.

وأمّا لو قسنا القاعدة إلى الاستصحاب الجاري في الممنوع دون الجاري في المانع، فهنا إن فرض أنّ الممنوع ـ وهو الاحتراق مثلاً ـ كان ثابتاً بواسطة المقتضي ـ وهو الملاقاة مع النار ـ وشكّ في بقائه من جهة الشكّ في حدوث المانع، فنتيجة الاستصحاب متّحدة مع نتيجة قاعدة المقتضي والمانع، وعند ئذ إن قلنا: بأنّ الاستصحاب المرتكز عقلائياً إنّما هو في فرض إحراز المقتضي، فالاستصحاب يرجع هنا تقريباً إلى قاعدة المقتضي والمانع، وإلاّ فالفرق بينهما هو: أنّ الأمارة على بقاء الإحراق في الاستصحاب هي ثبوته سابقاً، بدعوى: أنّ الغالب في الشيء الحادث بقاؤه، والأمارة على بقاء الإحراق في القاعدة هي وجود المقتضي، بدعوى: أنّ الغالب في المقتضي عدم اقترانه بقاءً بمانع.

وأمّا ان فرض أنّ الممنوع كان مسبوقاً بالعدم، فهنا يقع التنافي بين قاعدة المقتضي والمانع وقاعدة الاستصحاب، والفرق بينهما هو: أنّ الاستصحاب يكون بنكتة أمارية عدم المعلول في الآن الأوّل على عدمه في الآن الثاني، والقاعدة تكون بنكتة في طرف العلّة، وهي أمارية وجود المقتضي على عدم المانع.

وهنا حساب العلّة مقدّم على حساب المعلول بملاك الأضيقيّة؛ لأنّ حساب الدائرة الأضيق تقدّم على حساب الدائرة الاوسع، فلو علمنا مثلاً أنّ الغالب في الحيوانات عدم الذكاء، وعلمنا أنّ الغالب في الفرس هو الذكاء، ثمّ رأينا فرساً شككنا في ذكائه وعدم ذكائه، كان الحساب الجاري بشأنه هو حساب الدائرة الضيّقة وهي دائرة الفرس، لا حساب الدائرة الواسعة وهي دائرة الحيوانات، وما نحن فيه من هذا القبيل، فحينما يحسب حساب المعدومات إطلاقاً يقال: إنّ الشيء المعدوم يبقى غالباً على ما هو عليه من العدم مثلاً، وحينما يحسب حساب دائرة ضيّقة منها وهي الدائرة التي وجد فيها المقتضي لانقلاب العدم الى الوجود يقال: إنّ هذا المقتضي غالباً لا يقترن بمانع، والحساب الثاني يقدّم على الحساب الأوّل.

هذا تمام الكلام في المقدّمة.

ولنشرع الآن في أدلّة حجّيّة الاستصحاب.