المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

280

مراتبها ومواقعها، لكنّه شيء يندفع به ما ذكرناه من الاستحالة والتهافت في عالم النظر الانشائي.

وتوضيح ذلك: أنّه(قدس سره) ذكر فرقاً بين جعل الطريقية الذي يقول به في باب الأمارات وجعل الطريقية الذي يقول به في الاستصحاب، بخلاف السيّد الاُستاذ الذي لم يفرّق بين البابين(1)، والفرق الذي ذكره هو: أنّ العلم له مرتبة الكشف وإراءة الواقع، وله مرتبة اقتضاء الجري العملي، والأمارة جعلت علماً بلحاظ المرتبة الاُولى، والاستصحاب جعل علماًبلحاظ المرتبة الثانية.

وهذا البيان ـ كما ترى ـ يدفع ما ذكرناه من التهافت، فإنّه يقال عندئذ: إنّ المولى في قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ» قد فرغ عن وجود الشكّ خارجاً بلحاظ عالم الانكشاف، وادّعى وجوده بلحاظ عالم الجري العمليّ، فلا منافاة بينهما.

إلاّ أنّه بهذا ينهار أصل الموضوع، وهو قيام الاستصحاب بجعله علماً مقام العلم الموضوعي؛ وذلك لأنّ الظاهر من دليل جعل العلم موضوعاً لحكم هو جعله موضوعاً له بما له من الانكشاف وإراءة الواقع، لا بمجرّد ما له من الاقتضاء للجري العملي، فكيف يقوم مقامه الاستصحاب الذي اعتبر علماً بلحاظ الجري العملي فقط، لا بلحاظ جهة الانكشاف؟!

نعم، لو فرض في مورد كون العلم موضوعاً لحكم بما هو مقتض للجري العملي، قام الاستصحاب مقامه، لكنّه عندئذ قد ينفتح باب قيام الاُصول غير المحرزة ـ أيضاً ـ مقامه، لأنّها ـ أيضاً ـ مقتضية للجري العملي كالاستصحاب، فلا يختصّ هذا بالاستصحاب، وقد لاينفتح هذا الباب.

توضيحه: أنّ المحقّق النائيني(رحمه الله) يدّعي أنّ للعلم مرتبتين: مرتبة الانكشاف ومرتبة الجري العملي، وأنّ الأمارة جعلت تعبداً علماً في مرتبته الاُولى، والاستصحاب جعل تعبداً علماً في مرتبته الثانية، والاُصول غير المحرزة لم تجعل علماً في شيء من المرتبتين وإن كانت تنجّز وتعذّر. وعلى هذا إن فرض في مورد أنّ العلم بما له من مرتبة الانكشاف موضوع لحكم كما هو ظاهر جعل العلم موضوعاً لحكم، لم يصحّ ما أفاده(قدس سره)من قيام الاستصحاب


(1) تجد كلام الشيخ النائيني(رحمه الله) في قوائد الاصول ج 3 ص 17 ـ 19 بحسب طبعة جماعة المدرسين بقم وتجد كلام السيّد الخوئي(رحمه الله) في مصباح الاصول ج 2 ص 37 ـ 38 بحسب طبعة مطبعة النجف في النجف الأشرف.