المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

281

مقام العلم الموضوعي. وإن فرض أنّ العلم بمرتبته الثانية موضوع لحكم فهذا يتصوّر على نحوين:

أحدهما: أن يكون اقتضاء العلم للجري العملي بما هو مرتبة ثانية للعلم واقتضاءٌ للعلم قد جعل موضوعاً، فعندئذ يقوم الاستصحاب مقامه؛ لأنّه فرض علماً من هذه الناحية، ولا تقوم الاُصول غير المحرزة مقامه؛ لأنّها لم تفرض علماً أصلاً.

والثاني: أن يكون العلم بما له من اقتضاء للجري العملي موضوعاً، بمعنى أنّ تمام الموضوع في الحقيقة هو اقتضاء الجري العملي من دون لحاظ إضافة ذلك إلى العلم، وخصوصية كونه مرتبة ثانية للعلم، وعندئذ تقوم الاُصول غير المحرزة ـ أيضاً ـ مقام العلم؛ لأنّها ـ أيضاً ـ تقتضي الجري العملي.

وعلى أيّة حال، ففي ما هو المتعارف من موضوعية العلم من كونه موضوعاً بما هو كاشف ـ على ما هو الظاهر من دليل جعله موضوعاً ـ ينهار ما أفاده(قدس سره) من قيام الاستصحاب مقامه من باب جعل الطريقية.

ثمّ إنّ المحقق العراقي(رحمه الله) ذكر: أنّ هنا تهافتاً بين ما اختاره المحقق النائيني(رحمه الله) في مبحث الشكّ في المقتضي وما اختاره في مبحث قيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي. ولكي يتبيّن ما ادعاه(قدس سره) من التهافت نذكر إجمالاً مبنى الشيخ النائيني(قدس سره)في الشكّ في المقتضي، فنقول: إنّهم قالوا: إنّ إسناد النقض إلى شيء يحتاج إلى كون ذلك الشيء فيه نوع استحكام واستقرار وتركز، وإلاّ لكان منحلاًّ بنفسه، ولا معنى لإسناد النقض إليه ثمّ قال قوم: إنّه قد أسند النقض إلى المتيقّن، وإنّما ذكر اليقين مجازاً، فجعلوه مختصّاً بفرض إحراز المقتضي ليتصوّر نوع استحكام للمتيقّن، وقال قوم: إنّه قد اُسند إلى اليقين، واليقين فيه نوع من الاستحكام في نفسه، فلا حاجة إلى تخصيص ذلك بفرض إحراز المقتضي. ووقف المحقّق النائيني(رحمه الله) موقفاً وسطاً بين هذين الموقفين، فاختار: أنّ النقض هو نقض المتيقن، كما قاله أصحاب القول الأوّل، لكنّه قال: إنّ هذا النقض قد اُسند إلى اليقين بمعناه الحقيقي، باعتبار أنّ الجري العملي للمتيقّن إنّما يكون بواسطة اليقين، فأسند النقض العملي للمتيقّن إلى اليقين(1).

وذكر المحقّق العراقي(قدس سره): أنّ هذا مناف لمختاره(رحمه الله) في باب قيام الاستصحاب مقام العلم


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 373 ـ 374 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات: ج 2، ص 379.