المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

282

الموضوعي؛ لأنّه إن فرض النقض نقضاً للمتيقّن فإنّما يجب الجري العملي على طبق المتيقّن، ولا علاقة لذلك بآثار العلم الموضوعي. وإن فرض نقضاً لليقين كفى ما في اليقين من استحكام، ولا حاجة إلى تخصيص الاستصحاب بغير موارد الشكّ في المقتضي(1).

أقول: إنّ هذا التهافت يبدو واضحاً في المقام بالنظر إلى ما يتراءى من عبائر التقريرات، حيث إنّ المحقّق النائيني(رحمه الله) لم يشرح كيفية استفادة جعل الطريقية من دليل الاستصحاب، ولم يوضّح حدود المطلب فيتراءى التناقض بين مطلبيه في البابين.

والتحقيق عدم التناقض بينهما، فإنّه(قدس سره) لو كان يختار: أنّ مفاد الحديث هو النهي التحريمي كما اختاره المحقّق العراقي(رحمه الله)، لكان هذا التناقض مسجّلاً عليه؛ إذ لو كان روح المطلب هو حرمة نقض المتيقّن وإن صحّ إسناد هذا النقض إلى اليقين إذن فلا معنى لقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي، ولو كان روح المطلب هو حرمة نقض اليقين إذن لكفى استحكام اليقين، ولم نحتج إلى فرض إحراز المقتضي، ولكنه(قدس سره) لا يقول بأنّ مفاد الحديث هو النهي التحريمي، وإنّما يرى أنّ مفاده هو النهي الكنائي، فهو قد نهى عن نقض المتيقن مسنداً لهذا النهي إلى اليقين، وهو نهي عن النقض العملي، ولكنّه ليس نهياً تحريمياً عن النقض العملي، وإنّما هو كناية عن بقاء مقتضي الجري العملي تعبّداً. وهذا يحتمل فيه احتمالان:

الأوّل: أنْ يكون المقصود من بقاء مقتضي الجري العملي هو بقاء المتيقّن.

والثاني: أن يكون المقصود منه هو بقاء اليقين.

والمحقّق النائيني(رحمه الله) يرجّح الثاني على الأوّل باعتبار ما يرى من أنّ الحجّيّات المجعولة عقلائياً إنّما تكون كلّها بحسب الارتكاز العقلائي جعلاً للطريقيّة، ولا يتصوّرون في حجّيّاتهم غير ذلك، فيرى(قدس سره) أنّ هذا الارتكاز موجب لانصراف الكلام(2) إلى المعنى الثاني. إذن ففي حين أنّ نقض المتيقّن اُسند إلى اليقين، فيحتاج إلى إحراز المقتضي مثلاً يكون الكلام كناية عن اعتبار بقاء اليقين، فتترتّب آثار العلم الموضوعي والطريقي معاً، فلا تهافت في كلامه(قدس سره) بحسب مبانيه وإن كانت مبانيه غير صحيحة.

نعم، يبقى هنا إشكال آخر وهو: أنّه لعلّه إنّما نزّل الشارع الاستصحاب منزلة اليقين من حيث الآثار العقلية، وهي التنجيز والتعذير، دون الآثار الشرعية، فمن أين عرفنا أنّه قد


(1) راجع نهاية الافكار القسم الاول من الجزء الرابع ص 79 ـ 81.

(2) لعل دعوى هذا الانصراف في خصوص الاستصحاب دون الاُصول العملية البحت يكون بسبب ما لحجّيّة الاستصحاب من جذور الارتكاز العقلائي ولو بمستوىً طفيف، بخلاف الاُصول التعبّدية البحت.