المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

283

جعل الشارع هنا الشكّ علماً، ونزّل الاستصحاب منزلة اليقين في كلا قسمي الآثار؟ ولا معنىً لدعوى جريان الإطلاق في المقام؛ لأنّ هذا التنزيل ليس هو المفاد المطابقي للكلام حسب الفرض، وإنّما المفاد المطابقي له هو النهي، والمفروض أنّ النهي جعل كناية، فلا يُدرى أنّه جعل كناية عن تنزيل الشكّ منزلة العلم في كلا قسمي الآثر، أو جعل كناية عن تنزيله منزلته في خصوص الآثار العقلية من التنجيز والتعذير، ولا تعيّن للأوّل في قبال الثاني، ويكفي في كنائيّة النهي الثاني.

وهذا الإشكال - أيضاً ـ يظهر جوابه بالنظر إلى مباني المحقّق النائيني(رحمه الله) فإنّه(قدس سره) لا يرى أنّ ترتّب التنجيز والتعذير على الاستصحاب أو الأمارة يكون بتنزيلهما منزلة العلم، بل يرى استحالة ذلك؛ لأنّ تنزيل الشارع شيئاً منزلة شيء إنّما يعقل إذا كان آثار الشيء المنزّل عليه من مجعولاته هو، فله أن ينزّل الطواف مثلاً منزلة الصلاة، دون ما إذا كانت آثاره من قبل حاكم آخر، وهو العقل، كما في المقام، فهو(قدس سره) لا يبني على التنزيل في المقام، وإنّما يبني على الاعتبار والفرض، أي: إنّ المولى جعل الاستصحاب أو الأمارة علماً بالاعتبار من دون نظر إلى الآثار. وهذا الشيء الوجداني البسيط، وهو اعتبار الاستصحاب علماً، وفرضه علماً ويقيناً لايعقل تبعّضه، ويترتّب بشكل عفوي وتلقائي كلّ آثار العلم عليه، فبهذا المبنى يرتفع هذا الإشكال - أيضاً ـ وإن كان هذا المبنى - أيضاً ـ غير صحيح، كما شرحناه في محلّه(1).

 


(1) وخلاصة الكلام في المقام: أنّ الاستصحاب لا يقوم مقام العلم الموضوعي؛ لأنّ قيامه مقام العلم الموضوعي يجب أن يكون بأحد وجوه ثلاثة:

1 ـ إمّا القول بأنّ مفاد الدليل هو تحريم النقض، ومقتضى الإطلاق شمول الحديث لنقض آثار اليقين الطريقي وآثار اليقين الموضوعي معاً.

2 ـ أو القول بأنّ مفاد الحديث هو جعل الطريقية والعلم ولو بلحاظ بعض جهاته. وهذا الجعل إمّا أن يكون بالدلالة المطابقية كما لو فرض السلب في الحديث نفياً لا نهياً، وفرض النقض حقيقياً لا عملياً، أو يكون بالكناية.

3 ـ أو القول بأنّ مفاد الحديث هو التنزيل. وهذا - أيضاً ـ إمّا أن يكون بالكناية، أو بحمل السلب على النفي والنقض على النقض الحقيقي، وتفسير ذلك بالتنزيل.

أمّا الأوّل، فأقلّ ما يرد عليه: أنّه لا ينسجم مع الاستصحابات الترخيصية، كما هو الحال في مورد النصّ، فإنّ استصحاب الطهارة استصحاب ترخيصي.

وأمّا الثاني، فأقلّ ما يرد عليه بطلان المبنى، فإنّ جعل الفرد الاعتباري لا قيمة له ما لم يرجع بروحه إلى التنزيل.