المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

287

التقديري لم تصحّ الصلاة، ولم تجرِ قاعدة الفراغ بعد الصلاة؛ لأنّ الصلاة كانت محكومة في حين الإتيان بها بالبطلان بحكم استصحاب الحدث، وقد اُخذ في موضوع قاعدة الفراغ عدم كون العمل في حين الإتيان به محكوماً بالبطلان، فيرتفع موضوعها بالاستصحاب حال الصلاة، ولذا لا يشكّ أحد في عدم جريان قاعدة الفراغ لو كان شكّه في بقاء الحدث حين الصلاة فعلياً.

وهذا البيان بهذا الترتيب يرد عليه: أنّه لا يوجد أيّ دليل على أخذ هذا القيد ـ أعني: قيد عدم كون العمل حين الإتيان به محكوماً بالبطلان في موضوع قاعدة الفراغ ـ وإنّما نشأ هذا التوهّم من ناحية الالتفات إلى ما أشرنا إليه من الفرع، وهو ما لو كان شاكّاً بالفعل حين الصلاة في بقاء الحدث حيث لا إشكال في عدم جريان قاعدة الفراغ في هذا الفرض، ولكن التحقيق: أنّ عدم جريان قاعدة الفراغ في هذا الفرض ليس لأجل أخذ هذا القيد في موضوع قاعدة الفراغ، بل لأجل اشتراط كون الشكّ حادثاً بعد العمل كما يظهر من قوله:«كلّما مضى من عملك فامضه كما هو» أو «كلّما شككت في شيء وقد جزته فامضه كما هو»، وهذا الشرط غير موجود في هذا الفرض، وموجود فيما نحن فيه، ولو اُريد أن يؤخذ قيد زائد في موضوع قاعدة الفراغ فليؤخذ قيد أن لا يكون العمل حين العمل باطلاً في نظر العامل، وواصلاً إليه الحكم بالبطلان، وهذا القيد موجود في ما نحن فيه. وعليه، فقاعدة الفراغ في نفسها جارية، ولا يرفع موضوعها الاستصحاب الجاري في حال الصلاة بناءً على جريان الاستصحاب لدى الشكّ التقديري.

وعندئذ يقع الكلام في أنّه هل نأخذ بقاعدة الفراغ ونحكم بصحّة الصلاة، أو أنّه لا يمكن الأخذ بها لابتلائها بالمعارض، وهو الاستصحاب؟ قد يقال: إنّنا نأخذ بقاعدة الفراغ، ولا معارض لها؛ إذ لا يعارضها الاستصحاب لا بوجوده الحدوثي، أي: بوجوده حين الصلاة، ولا بوجوده البقائي، أي: بوجوده بعد الصلاة. أمّا الثاني فواضح، فإنّنا قد اتّفقنا على تقدّم قاعدة الفراغ على الاستصحاب الذي يجري في عرضها. وأمّا الأوّل فلأنّ وجود الاستصحاب حين الصلاة ليس معارضاً لجريان القاعدة بعد الصلاة؛ إذ هما حكمان ظاهريان مختلفان واقعان في زمانين، لا في زمان واحد، فلا منافاة بينهما، وهما نظير ما لو كان الشخص في حين صلاته يقلّد من يحكم ببطلان هذه الصلاة، ثمّ بعد الصلاة مات مقلَّده وكانت الوظيفة الرجوع إلى الحيّ، فقلّد من يحكم بصحّة تلك الصلاة.

إلاّ أنّ التحقيق وجود المنافاة بين الاستصحاب بوجوده الحدوثي وقاعدة الفراغ؛ وذلك