المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

298

وهذا الوجه يختلف حاله باختلاف المباني في الحكم الظاهري:

فتارةً يقال: إنّ الحكم الظاهري له وجود مستقل في قبال الحكم الواقعي، قد يوافق الحكم الواقعي وقد يخالفه. وبناءً على هذا لا يجري الاستصحاب في المقام؛ لأنّه يكون من استصحاب القسم الثالث من الكلّي المحرز حدوثه في أحد فرديه ـ وهو هنا الحكم الظاهري ـ والمحتمل بقاؤه في فرد آخر ـ وهو الحكم الواقعي ـ، غاية الأمر أنّ الحكم الواقعي محتمل الحدوث من أوّل الأمر، فيدخل في ذاك النحو من استصحاب القسم الثالث الذي يرتضيه الشيخ الأعظم(قدس سره)، لكنّنا لا نرتضي الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي مطلقاً.

واُخرى يقال بما يقول به المحقق النائيني(رحمه الله) من أنّ الحكم الظاهري ليس له وجود مستقّل في مقابل الحكم الواقعي، بل يكون لدى وجود الحكم الواقعي مندكّاً فيه، ولدى عدمه منعدماً. وعلى هذا المبنى فالحكم الظاهري في المقام لا يزيدنا شيئاً، وكما لا يمكن استصحاب الحكم الواقعي كذلك لا يمكن استصحاب الجامع؛ إذ ليس لنا ـ في الحقيقية ـ علم بأحد الفردين معيّناً، أو غير معين؛ لأنّ الفرد الثاني وهو الحكم الظاهري يرجع في الحقيقة إلى الفرد الأوّل، وهو الواقع المفروض ثبوت الشكّ فيه من أوّل الأمر.

وثالثة يقال: إنّ الحكم الظاهري لدى موافقته للحكم الواقعي يكون مندكّاً فيه، ولدى اختلافه عنه يكون له وجود مستقلّ، وعندئذ تكون لدعوى جريان الاستصحاب صورة؛ لأنّه يصبح من استصحاب القسم الثاني من الكلّي؛ للعلم إجمالاً بثبوت الجامع في ضمن الفرد المقطوع زواله وهو الحكم الظاهري، أو الفرد غير المقطوع زواله وهو الحكم الواقعي.

ولكنّ الصحيح: أنّه حتّى على هذا المبنى لا يصحّ جريان الاستصحاب، إلاّ إذا قلنا في الحكم الظاهري في باب الأمارة بالسببية والموضوعية، دون الطريقية الصرف؛ لأنّه بناءً على الطريقية يعلم إجمالاً بالجامع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري الطريقي المخالف للواقع، ومن المعلوم أنّ الحكم الظاهري بهذا العنوان ليس له أيّ أثر من التنجيز والتعذير، والجامع بين ما له أثر وما ليس له أثر ليس له أثر، والنتيجه تتبع أخسّ المقدمات.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) من أنّنا نمنع كون اليقين بالحالة السابقة دخيلاً في الاستصحاب. وهنا لا تخلو عبارته(قدس سره) من تبلبل أو تشويش، فالذي يستفاد من أوّل عبارته في الكفاية هو أنّ الاستصحاب ليس من أركانه اليقين السابق، وإنّما له ركنان: أحدهما الحدوث، والثاني الشكّ في البقاء، ويكون الثاني ثابتاً بالوجدان، والأوّل ثابتاً بالتعبّد بمقتضى الأمارة. ثمّ كأنّه يريد أن يترقى ويدّعي أنّ الحدوث ـ أيضاً ـ ليس ركناً في