المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

302

تنجّيز العلم الإجمالي بعد انحلاله. فمثلاً لو علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الإنائين فتنجّزت علينا النجاسة على كلا تقديريها، ثمّ علمنا تفصيلاً بنجاسة أحد الإنائين مسبقاً، فانحلّ العلم الإجمالي، تبقى النجاسة في الإناء الآخر على تنجّزها؛ للملازمة بين التنجّزين. وهذا ما لا يُلتَزم به(1).

ويرد عليه: أوّلاً: أنّنا لو فرضنا انحصار الأمر فيما ذكره من الاحتمالين لاخترنا الاحتمال الثاني، ويقال: إنّ الاستصحاب عبارة عن التعبّد بالملازمة بين تنجّز الحدوث وتنجّز البقاء، لكن لا مطلقاً، بل عند فرض بقاء منجِّز الحدوث، كما في ما نحن فيه من فرض قيام الأمارة على الحدوث دون ما إذا انتفى منجِّز الحدوث، وانحلّ، كما في مثال العلم الإجمالي بناءً على انحلاله بالعلم التفصيلي.

وإن شئت فقل: إنّنا لا ندّعي الملازمة بين التنجّز حدوثاً وبقاءً، وإنّما ندّعي أنّ المنجِّز للحدوث منجِّز للبقاء، باعتبار ما له من كشف ناقص للبقاء مثلاً، ومن الطبيعي أنّ منجّزية المنجّز تكون عند وجود ذلك المنجّز.

وثانياً: أنّ بإمكاننا أن لا نقول: إنّ الاستصحاب تعبّد بالملازمة بين الحدوث والبقاء الواقعيين، ولا بين تنجّزهما، بل نقول: إنّه تعبد بالملازمة بين الوجود الواقعي للحدوث والوجود الظاهري للبقاء، ولا يرد عندئذ شيء من إشكالي الشقّين السابقين.

الوجه الثالث: أنّ الحكم الظاهري ـ على ما ذكرناه مراراً ـ عبارة عن الخطابات والإنشاءآت المبرزة لشدّة اهتمام المولى بالواقع، أو مسامحته فيه، فروح الحكم الظاهري هو هذه الشدّة أو المسامحة، وعليه نقول: إنّنا لو أردنا استصحاب الحكم الواقعي ورد عليه ما مضى من أنّه غير معلوم الثبوت مثلاً، ولو أردنا أن نستصحب الحكم الظاهري بمعنى خطاب(صدّق العادل) مثلاً، ورد عليه ما مضى من انتفاء موضوعه؛ لأنّ العادل لم يخبر بأكثر من الحالة السابقة، وموضوع هذا الخطاب إنّما هو خبر العادل، فلا معنىً لاستصحاب هذا الخطاب في الزمان الثاني الذي لا يوجد فيه خبر عادل، لكنّنا لا نستصحب لا هذا ولا ذاك، وإنّما نستصحب روح الحكم الظاهري، وهو شدّة اهتمام المولى الموضوع لحكم العقل بوجوب الامتثال، أو المسامحة وعدم الاهتمام الموضوع لحكم العقل بالأمان.


(1) وورد في الدراسات ج4، ص 95 بحسب طبعة دائرة معارف الفقه الإسلامي، مثال آخر للنقض، وهو لزوم حجّيّة قاعدة اليقين؛ لأنّ ما تيقّنّا به قد تنجّز حدوثاً، فيكون منجّزاً بقاءً رغم الشكّ الساري.