المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

305

(ج) على تقدير استفادة جعل الطريقية من الدليل هل يستفاد ذلك بلحاظ القطع الطريقي والموضوعي معاً، أو لا يستفاد ذلك إمّا لمحذور ثبوتي كما جاء في الكفاية، أو لمحذور إثباتي كما نحن اخترناه؟

فلو أجبنا على كلّ هذه الأسئلة الثلاثة بالإثبات أمكن الالتزام بهذا الوجه الرابع، في مقام حلّ الإشكال في المقام، وبما أنّ المحقّق النائيني(رحمه الله) يجيب بالإثبات على كلّ هذه الأسئلة الثلاثة التزم في المقام بهذا الوجه الرابع.

ولكن بقي هنا شيء، وهو: أنّ المحقّق النائيني(رحمه الله) يعترف بأنّ الأمارة لا تقوم مقام القطع الموضوعي الصفتي، وإنّما يقول بقيامها مقام القطع الموضوعي الطريقي. وبناءً على هذا يشكل القول بقيام الأمارة موضع القطع في المقام ولو سلّمنا كلّ مباني المحقّق النائيني(رحمه الله) من الأجوبة الإثباتية على تلك الأسئلة.

وتوضيح الكلام في ذلك: أنّه يقال في باب القطع الموضوعي: إنّ العلم تارةً يؤخذ موضوعاً بما هو كاشف، واُخرى يؤخذ موضوعاً بما له من خصوصية وصفية؛ فإنّ العلم ـ إضافةً إلى ما له من خاصّية الكشف التي هي عبارة عن ذات العلم ـ له خاصيّتان نفسيّتان: إحداهما: ما يوجد في نفس العالم من حالة الاستقرار. والثانية: ما يوجد ـ أيضاً ـ في نفس العالم من استحكام ارتباط صورة المتيقَّن بها، وتركّزها في النفس، وشدّة ارتباطها بها. فتارةً لا يلحظ في موضوع الحكم إلاّ ذات العلم بما هو انكشاف، واُخرى يلحظ بما هو ذو الصفة الاُولى أو الثانية. وذكر المحقق النائيني(رحمه الله)(1) ومن تبعه: أنّ كلمة(العلم) و (القطع) و (اليقين) كلّها وضعت في لغة العرب بمعنىً واحد، إلاّ أنّ الملحوظ في كلمة(العلم) إنّما هو جانب الانكشاف، ولوحظ في كلمة(القطع) صفة استقرار النفس، ولوحظ في كلمة(اليقين) جانب الاستحكام، ومن هنا ترى أنّه يطلق على الله ـ تعالى ـ العالم، ولا يطلق عليه القاطع، أو المتيقن، كما أنّه من هنا ترى أنّ إسناد النقض إلى اليقين شيء مستحسن لما فيه من الاستحكام، بخلاف إسناده إلى القطع أو العلم. وعلى هذا نقول: إنّ قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ» إن لم يكن ظاهراً في أخذ العلم بما هو ذو الصفة الثانية، وهي الاستحكام وشدّة ارتباط صورة المتيقّن بالنفس، فلا أقلّ من عدم كونه ظاهراً في خلاف ذلك، فإنّنا لو احتملنا كون ذكر كلمة(اليقين) لمجرّد النكتة اللفظية، وهي لحاظ المناسبة مع استعمال كلمة(النقض)،


(1) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 379.