المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

307

مقطوع الثبوت، وإن اُريد استصحاب الحكم الظاهري فهو مقطوع الارتفاع. قلنا: إنّنا نختار الشقّ الثاني، أي: إنّنا نستصحب الحكم الظاهري. وقولكم إنّ الحكم الظاهري مقطوع الارتفاع جوابه: أنّه ليس مقطوع الارتفاع؛ وذلك لأنّ الأمارة التي دلّت بالمطابقة على طهارة الثوب حدوثاً دلّت بالالتزام على بقاء طهارته ما لم يلاقِ نجساً، وذلك لعلمنا الخارجي بالملازمة بين طهارة الشيء وبقاء طهارته ما لم يلاقِ نجساً، والحكم الظاهري كما يكون مجعولاً على طبق الدلالة المطابقية للأمارة كذلك يكون مجعولاً على طبق الدلالة الالتزامية لها، فالحكم الظاهري في المقام عبارة عن طهارة الثوب واستمرارها إلى أن يلاقي النجاسة، فالشكّ في ملاقاته للنجاسة وعدمها يوجب الشكّ في انتهاء أمد هذا الحكم وبقائه، فيستصحب الحكم الظاهري بلا إشكال.

وإن شئت فاستصحب عدم الملاقاة المنقّح لموضوع الحكم الظاهري.

إن قلت: كيف يمكن إجراء استصحاب الحكم الظاهري في المقام مطلقاً مع أنّه لابدّ أن يرجع روح هذا الاستصحاب إلى استصحاب روح الحكم الظاهري الذي هو عبارة عن شدّة الاهتمام وعدم شدّته، ولا يفيد مجرّد استصحاب الخطاب الظاهري بغضّ النظر عن الروح؛ إذ لا يترتّب عليه تنجيز أو تعذير. وعليه فاستصحاب الحكم الظاهري في المقام إنّما يجري في الأحكام غير الإلزامية، كما في المثال المذكور، ولا يجري في الأحكام الإلزامية؛ لما مضى من حكومة دليل البراءة عليه، لكونه أمارة على عدم شدّة الاهتمام. وهذا في الحقيقة إشكال مستقلّ يرد على استصحابات الأحكام الظاهرية فيما يكون الحكم إلزامياً، وأصل البراءة على خلافه.

قلت: إنّ ما مضى منّا من مسألة حكومة دليل أصالة البراءة على استصحاب شدّة الاهتمام لا يجري هنا؛ وذلك لأنّه بعد أن فرضنا أنّ بقاء الطهارة إلى زمان ملاقاة الدم مثلاً مدلول التزامي للأمارة، يكون من المحتمل كون المورد خارجاً عن دليل البراءة بالأمارة، فيكون التمسّك بدليل البراءة هنا تمسّكاً بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص، فإنّ دليل البراءة قد خرجت منه بالتخصيص موارد الأمارة(1). هذا تمام الكلام في الصورة الاُولى.

وأمّا الصورة الثانية فيأتي فيها عين ما ذكرناه في الصورة الاُولى حرفاً بحرف.


(1) نعم، لولا استصحاب بقاء الاهتمام جرت البراءة عن الاهتمام باحتمال بقاء الاهتمام. وهذا غير البراءة النافية للاهتمام الأوّل التي يكون التمسّك بها تمسّكاً بالعامّ في الشبهة المصداقية.