المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

308

وأمّا الصورة الثالثة فنختار فيها ـ لتوضيح عدم ورود الإشكال ـ الشقّ الأوّل، أي: إننا نستصحب الحكم الواقعي، وقولكم: إنّ الحكم الواقعي غير معلوم الحدوث إنّما يتمّ لو لوحظت نجاسة هذا الماء بالخصوص، وفرض أنّ الفقيه إنّما يستطيع أن يستصحب في الشبهات الحكمية إذا وجد الموضوع بحسب الخارج. وأمّا بناءً على ما مضى من أنّ الفقيه يلحظ في الشبهات الحكمية الموضوع بنحو الفرض والتقدير، ويجري الاستصحاب، فلا يرد هذا الإشكال؛ لأنّ الفقيه يلحظ طبيعي الماء المتغيّر، وهو مقطوع النجاسة، ويثبت بحكم الاستصحاب أنّ طبيعي الماء المتغيّر تبقى نجاسته بعد زوال التغيّر، ثمّ يثبت موضوع هذا الحكم الكلّي وهو تنجّس الماء المتغيّر حتّى بعد زوال تغيّره بالأمارة الدالة على تغيّر هذا الحكم، ولا يرد إشكال.

إذن فالإشكال منحصر في الصورة الرابعة، وقد عرفت حاله.

 

جريان الاستصحاب عند ثبوت الحالة السابقة بالأصل

المقام الثاني: فيما إذا كانت الحالة السابقة ثابتة بالأصل. وقد جاء في كلام المحقّق النائيني(رحمه الله) ـ على ما في التقريرين(1) ـ ذكر الإشكال في باب الاُصول بهذا النحو، وهو: أنّه لا إشكال في جريان الاستصحاب من حيث عدم اليقين بالحدوث، فإنّ هذا الإشكال قد حللناه من ناحية قيام الأمارات والاُصول مقام القطع، ويكون الإشكال من حيث عدم الشكّ اللاحق، والقطع الوجداني بالبقاء، فنفس أصالة الطهارة مثلاً باقية بعد احتمال ملاقاة الثوب الذي أثبتنا طهارته بالأصل للدم، ولا حاجة إلى استصحابها.

أقول: إنّ في هذا الكلام خلطاً بين استصحاب الحكم الواقعي واستصحاب الحكم الظاهري؛ إذ لو قصد استصحاب الحكم الظاهري فلا معنى لما ذكره من قيام الأمارات والاُصول مقام القطع، فإنّ الحكم الظاهري مقطوع الحدوث وجداناً. وإن قصد استصحاب الحكم الواقعي فلا معنى لما ذكره من أنّ البقاء ثابت وجداناً؛ فإنّ الذي يكون بقائه ثابتاً بالقطع الوجداني هو الحكم الظاهري لا الواقعي.

إذن فينبغي التشقيق في الإشكال بأن يقال: لو قصد استصحاب الحكم الواقعي فلا يقين


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 404 ـ 406 طبعة جامعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات: ج 2، ص 388 ـ 389.