المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

315

بكامل الأجزاء والشرائط المعهودة فهو على طهارة واقعية، وهو شاكّ في بقاء هذه الطهارة الواقعية بعد خروج المذي، فيستصحبها، وبذلك يثبت ظاهراً وبالاستصحاب أنّ من توضّأ بكامل الأجزاء والشرائط فهو على طهارة واقعية حتّى بعد خروج المذي، ويبني على موضوع هذا الحكم بقاعدة الفراغ.

وفي بحث استصحاب ما ثبت بالأمارة لم يكن بالإمكان في الصورة الثالثة استصحاب الطهارة الظاهرية، بخلافه هنا. والفرق بين الموردين هو: أنّنا هنا قد نقّحنا الموضوع بالأصل. والأصل المثبت للموضوع ليس مؤدّاه إلاّ التعبّد بآثار الموضوع، في حين أنّه في ما مضى كنّا ننقّح الموضوع بالأمارة، ومؤدّى الأمارة هو الواقع(1).

الصورة الرابعة: ما لو دلّ الأصل على الحدوث في مورد الشبهة الحكمية، وشككنا في البقاء بنحو الشبهة الحكمية أيضاً، كما إذا ثبتت طهارة الثوب باستصحاب طهارة الماء الذي طُهّر به الثوب عند ما كان الماء ملاقياً للمتنجس، ثمّ شكّ في بقاء طهارة الثوب لملاقاته للمتنجّس أو للكافر مثلاً، وهنا ـ أيضاً ـ يجري استصحاب الطهارة الظاهرية باعتبار أنّ أصالة الطهارة في الماء نقّحت موضوع الحكم بطهارة الثوب المردّد بين كونه حكماً قصير الأمد ينتهي بملاقاة الثوب للمتنجس أو الكافر، أو طويل الأمد، أي: إنّه يبقى بعد الملاقاة، فنثبت البقاء بالاستصحاب(2).

فتحصّل: أنّ عدم القطع بانقطاع الحكم الظاهري يتصوّر في كلّ الصور الأربعة.

إلاّ أنّه قد يتّفق أنّنا نقطع بانقطاع الحكم الظاهري، فلا يجري استصحابه، مثاله: أنّ الماء البالغ مرتبة الكرّ لو أنّه نقص بمقدار قليل، وسلكنا مسلك القائلين بجريان استصحاب الكرّيّة من باب دعوى: أنّ نقص الماء بمقدار قليل لا يبدّل الموضوع عرفاً، ثمّ نقص الماء ـ أيضاً ـ بمقدار قليل، وهكذا أخذ يتدرّج في النقصان شيئاً فشيئاً إلى أن زاد النقص بدرجة لا يتسامح العرف فيها، فعندئذ لا يجري استصحاب الكرّيّة الواقعية لتبدّل الموضوع، وهل يجري استصحاب الكرّيّة الظاهرية، أو لا؟ يمكن أن يتخيّل أنّه يجري؛ لأنّ هذا الماء قبل


(1) فلو اُريد استصحاب مؤدّى الأمارة رجعنا مرّةً اُخرى إلى استصحاب الواقع دون استصحاب الحكم الظاهري. ولو اُريد استصحاب حجّيّة الأمارة أو بقاء الحجّة، فالمشكلة ليست هي مشكلة الشكّ في حجّيّة الأمارة أو بقاء الحجّة، وإنّما هي مشكلة قصور مفاد الأمارة يقيناً عن إثبات الطهارة بقاءً، فالحجّة منتهية قطعاً.

(2) وفي بحث استصحاب ما ثبت حدوثه بالأمارة لم يكن يمكن إجراء استصحاب الحكم الظاهري في هذه الصورة. والفرق بين الموردين في هذه الصورة هو نفس ما عرفته من الفرق بين الموردين في الصورة الثالثة.