المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

320

للملاك الواقعي، أو جعل شوق مؤكّد وإرادة مماثلة لإرادة الحكم المستصحب، وإنّما يعني جعل إنشاء واعتبار مماثل لجعل الحكم المستصحب، وبما أنّ الوجوب والاستحباب، أو الحرمة والكراهة من واد واحد في هذه المرحلة، أعني مرحلة الإنشاء، فإنّ كلاًّ منهما طلب في الأوّلين، وزجر ومنع في الأخيرين، فيتّضح بذلك أنّه لا محذور في إجراء استصحاب كلّي الحكم الجامع بين الطلب الاستحبابي والوجوبي، أو الجامع بين الزجر التحريمي والكراهتي، فإنّ معناه على هذا هو جعل وإنشاء طلب مماثل للمستصحب سواء كان وجوباً أو استحباباً، وسواء كان حرمة أو كراهة طالما لا يختلفان من حيث الإنشاء.

وهذا الجواب غير تامّ. وذلك:

أوّلاً: أنّه غير سديد فيما إذا كان الكلّي جامعاً بين حكمين مختلفين بالمتعلق، لا بالصنف، كما لو علمنا بوجوب الجمعة أو الظهر، فإنّه على هذا التقدير ليس بالإمكان دعوى جعل إنشاء وطلب مطلق من دون تشخّص بأحد المتعلّقين، كي يكون مماثلاً للكلّي.

وثانياً: أنّا لو اعترفنا بأنّ الوجوب والاستحباب لا يختلفان في مرحلة الإنشاء، واعترفنا بأنّ الحكم المماثل مماثل جعلاً وإنشاءً لا ملاكاً ومبدءً، لابتلينا بمشكلة أفدح في الاستصحاب، لا في موارد استصحاب الكلّي، بل في مواضع استصحاب الوجوب المعلوم بشخصه، أو الحرمة المعلومة بعينها، فإنّه لا يمكن بالاستصحاب إلاّ إثبات أصل الإنشاء والإيجاب المماثل للمستصحب، ومن الواضح أنّ هذا لا يثبت خصوصية الوجوب ولزوم الموافقة، أو الحرمة والمنع عن المخالفة طالما لا فارق بين الوجوب والاستحباب، والحرمة والكراهة في المرحلة التي تثبت في الأحكام المماثلة، وإنّما يفترقان على أساس اللزومية في الملاك ومبادئ الأحكام، والمفروض أنّها غير مشمولة للحكم المماثل المجعول بالاستصحاب. إذن فجواب الشيخ الإصفهاني(رحمه الله) لا يمكن المساعدة عليه(1).

 


(1) لا يخفى أنّ الشيخ الإصفهاني(رحمه الله) يرى أنّنا إذا علمنا بخصوص الوجوب أثبت الاستصحاب حكماً مماثلاً له، وهو الوجوب، والذي هو عبارة عن الحكم المنشأ الذي كان من ورائه مبادئ الإلزام من الملاك والارادة، وأمّا إذا لم يكن المقدار المعلوم إلاّ الجامع بين الوجوب والاستحباب، والذي هو عبارة عن أصل الإنشاء بداعي جعل الداعي، فالاستصحاب لا يثبت خصوصيّة مبادئ الوجوب، لعدم العلم بها، ولكن يثبت أصل الإنشاء بداعي جعل الداعي، وهذا الإنشاء لم يكن تعتبر خصوصيّة تلك المبادئ أو مبادئ الاستحباب فصلاً له حتّى يرد إشكال عدم إمكانية وجود الجنس بلا فصل، وإنّما هي من المقارنات.

ومن هنا قد يتراءى عدم ورود الإشكال الثاني المذكور في المتن عليه، فإنّ إلتزامه بأنّ الاستصحاب لم يثبت