المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

35

تكون كذلك في كلا المقامين.

أقول: إنّنا لا ندخل هنا في البحث عن أنّ هذه الأدلّة هل يمكن دعوى عجزها عن الردع ولو في خصوص خبر الثقة أو لا، لأنّ هذا ما بحثناه في باب خبر الثقة وقد اخترنا هناك عجزها عن ذلك، وإنّما نبحث هنا عن أنّه ـ بعد فرض الفراغ عن عجزها عن الردع في خبر الثقة ـ هل تعجز عن الردع حتّى في المقام، أو يمكن إبداء فرق بين المقامين بحيث إنّ الاستدلال بالسيرة لو تمّ في ذاك المقام لا يتم هنا بغضّ النظر عن أنّ هذا الفرق كان منظوراً للمحقّق الخراساني(رحمه الله) ومقبولاً عنده، أو لا؟

وهناك وجوه لإبداء الفرق بين المقامين نحن نذكر هنا سبعة منها:

الوجه الأوّل: أنّ السيرة كلّما كانت أقواى احتاجت إلى ردع أقوى، والسيرة في خبر الثقة قويّة إلى درجة لا يمكن الاقتصار في ردعها على هذا المقدار من عموم أو إطلاق من هذا القبيل، وهذا بخلاف المقام الذي تحتمل ـ على الأقلّ ـ الكفاية في ردع السيرة بمثل هذه العمومات والإطلاقات؛ لعدم قوّة السيرة بتلك المرتبة.

الوجه الثاني: ما ذكره السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بعد فرض عدم أولوية جعل هذه الأدلّة رادعة عن جعل السيرة مخصِّصة وبالعكس: من أنّ الردع لم يكن في أوائل البعثة، فالسيرة كانت ممضاة(1) آنذاك، فنستصحب الحجّيّة في باب خبر الثقة، ولكن لا يمكننا استصحاب الحجّيّة في باب الاستصحاب؛ لأنّ هذا يعني إثبات حجيّة الاستصحاب بالاستصحاب، وهو غير معقول(2).

أقول: يرد على هذا الوجه:

أوّلاً: أنّ الاستصحاب مدركه هو خبر الثقة، فكيف نثبت حجيّة خبر الثقة بالاستصحاب؟

وثانياً: أنّ خصوص أصالة عدم النسخ ثابتة بالإجماع ونحوه، ولو أنكرنا الاستصحاب في سائر الموارد إذن يمكننا التمسّك بأصالة عدم النسخ في كلا البابين(3).


(1) ثبوت الإمضاء بالسكوت الذي يواكب تدريجيّة الشريعة في صدر التشريع مشكل.

(2) راجع مصباح الاُصول: ج 3، ص 12.

(3) ثبوت أصالة عدم النسخ بقطع النظر عن الاستصحاب في حكم ثبت بمجرّد السكوت في أوائل الشريعة مشكل؛ لأنّ دليله إمّا ظهور الكلام في دوام الحكم، وهذا غير ثابت في السكوت المواكب لتدريجيّة الشريعة، وإمّا الوجوه اللبّيّة كالإجماع وسيرة المتشرّعة، والمتيقّن منها غير هذا الفرض.