المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

368

عبارة عن وجودات حادثة وليس وجوداً واحداً مستمراً وإن كان خلاف التحقيق؛ إذ مع فرض تعدّد الوجودات الزمانية يلزم إمّا القول بالجزء الذي لا يتجزّأ، أو انحصار ما لا نهاية له بين حاصرين، قلنا بجريان الاستصحاب وتمامية أركانه؛ لأنّ العبرة في شمول إطلاق دليله له بالوحدة العرفية، وهي ثابتة جزماً، ويكفينا دليلاً على ثبوتها الأوضاع اللغوية والعرفية، حيث وضعت كلمة (النهار) لقطعة من الزمان وهي ما بين طلوع الشمس وغروبها مثلاً، وهذا ليس إلاّ بملاحظة هذه القطعة الزمانية واحدة متصلة، وإلاّ فنتساءل: هل كلمة (النهار) موضوعة لكلّ آن من هذه الآنات العديدة بنحو الاشتراك اللفظي؟ وهذا واضح البطلان؛ إذ ليست لكلمة (النهار) أوضاع متعدّدة بتعدّد الآنات. أو أنّها موضوعة بنحو الاشتراك المعنوي، بنحو يكون لنا في يوم واحد عدد كبير من النهار بعدد الآنات مثلاً، تكون نسبة الكلمة إليها نسبة الكلّي إلى أفراده؟ وهذا ـ أيضاً ـ واضح البطلان؛ لوضوح عدم وجود نهارات عديدة في اليوم الواحد. أو أنّها موضوعة بنحو تكون نسبتها إلى كلّ آن نسبة الكلّ إلى الجزء على نهج وضع كلمة (البيت) مثلاً لمجموع المرافق ونحو ذلك من الاُمور القارّة؟ وهذا ـ أيضاً ـ واضح البطلان؛ فإنّ عنوان (البيت) مثلاً ونحوه من الاُمور القارة اسم على المجموع، ولا يكون عنوان (البيت) صادقاً ومتحقّقاً بتحقّق الغرفة الاُولى مثلاً، في حين أنّ عنوان (النهار) يعتبر فعليّاً منذ الآن الأوّل، وباقياً على فعليّته إلى الآن الأخير. إذن، لا يبقى إلاّ ما أردناه، وهو أنّ نسبة النهار إلى الأجزاء والآنات نسبة الكلّ إلى أجزائه بنحو يختلف عن الكلّ والإجزاء في عالم السكون، وذلك بصدق العنوان بالفعل بتحقّق جزئه الأوّل، وبجزئه الثاني، وبجزئه الثالث، وهكذا إلى آخر الأجزاء. وهذا يعني أنّ تعدّد الأجزاء الطولية له ولنحوه من سائر الاُمور الحركية يكون بمعنى كونه شيئاً واحداً متصرماً ومتدرّجاً في الحصول، فإذا لوحظ عمود الزمان وآناته وأجزائه، فهذا يستدعي الكثرة والتعدّد. أمّا إذا لوحظ مفهوم (النهار) أو غيره ممّا وضع للكلّ يُرى أنّه أمر واحد كالخيط الواحد الممتدّ تمام حقيقته تبرز في كلّ آن ومرحلة(1).

 


(1)ويمكن تقريب الفكرة إلى الذهن بتشبيه ذلك بالاُمور القارّة التي لو قطّعت نصفين لانتهينا إلى مصداقين لذلك الأمر، في حين أنّه قبل التقطيع لا يوجد إلاّ مصداق واحد. فمثلاً الماء حينما يكون في إناء واحد يكون ماءً واحداً مهما بلغ من الكثرة، وحينما يصبّ نفس ذاك المقدار في إنائين يكون لدينا ماءآن، واذا قسمّ إلى أقسام ثلاثة منقطع بعضها عن بعض كان لدينا مصاديق ثلاثة لمفهوم الماء، وهكذا. أو قل: إنّ المياه المتعدّدة حينما نضمّ بعضها