المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

375

الحركات، وقد اتّضح حالها ممّا ذكرنا في الأمر السابق، حيث بيّنا أنّ منشأ الوحدة العرفية غير منحصر في الثبات والقرار حتى لا يجري الاستصحاب في الحركة، بل هنالك مناشئ اُخرى فيها ما يشمل ما لا يكون حركة بالدقّة العقلية كحركة عقارب الساعة، بل العرفية ـ أيضاً ـ كالكلام ونحوه، بل فيها ما يشمل مثل البحث في كلّ يوم من الاُمور التي من الواضح عقلاً وعرفاً عدم الاتصال بينها، لكنّه مع ذلك يُرى ذلك واحداً عرفاً باعتبار التسلسل الرتيب بينها. وعليه فلا يبقى مجال للاستشكال في جريان الاستصحاب فيها أيضاً، إذن فكلّ ما ذكر في الأمر السابق جار هنا دون زيادة.

وبهذا ينتهي المقام الأوّل.

 

استصحاب الاُمور القارّة المقيّدة بالزمان

المقام الثاني: في الأمور القارة المقيّدة بالزمان، كالجلوس النهاري، فيكون بذلك منصرماً متجدداً باعتبار تصرّم وتجدد ما قيّد به.

هنا ـ ايضاً ـ يرد الإشكال المذكور في الاُمور الحركية وغير القارّة، حيث إنّ الجلوس في المثال وإن كان قارّاً في نفسه غير أنّه بعدما قيّد بالزمان الذي هو متجدّد ومتصرّم يصبح المقيّد ـ أيضاً ـ عبارة عن مجموعة حدوثات وتجدّدات متصرّمة، فإنّ تعدّد القيد وتكثّره يستدعي تعدّد المقيّد لا محالة.

ويكون الجواب عندئذ هو ما ذكر من المقام السابق من أنّ عمود الزمان في نظر العرف يرى شيئاً واحداً، وأنّ منشأ الوحدة اللازمة في الاستصحاب تحقيقاً لعنوان نقض اليقين بالشكّ غير منحصر في القرار والثبات كما ذكرنا ذلك مفصّلاً.

وعليه فيجري استصحاب بقاء المقيّد بما هو مقيّد عند الشكّ فيه، أو قل: استصحاب التقيّد بعد وجدانية ذات المقيّد.

ولكن جريان هذا الاستصحاب موقوف على أمرين:

1 ـ ان يكون للمقيد بما هو مقيّد حالة سابقة، أي: يكون هناك يقين بتحقّق الجلوس النهاري مثلاً قبل زمان الشكّ، وإنّما يشكّ في أنّ امتداده ـ ايضاً ـ نهاري أو لا، فيستصحب. وأمّا إذا افترض أنّ الجلوس لم يكن سابقاً وإنّما تحقّق في الزمن المشكوك فيه فلا يمكن الاستصحاب؛ لعدم الحالة السابقة للمقيّد بما هو مقيّد، واستصحاب ذات القيد وهو النهار لا يثبت التقيّد المفروض.