المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

389

اليقين والشك بها على اعتبار أنّها قضية عقليّة، وليست شيئاً من القضيتين التشريعيتين، أمّا أنّها ليست الثانية فواضح، فإنّها فعلية، وهذه تعليقية، وأمّا أنّها ليست الاُولى فلأنّ القضية الشرعية الجعلية والتي نسمّيها بالقضية الحقيقية ليس التعليق فيها على العلم في المثال فحسب، وإنّما التعليق فيها على كلّ الخصوصيات والقيود المأخوذة في موضع الحكم، لأنّ الحكم يرتّب على مجموع ما اعتبر دخيلاً، فتلك هي القضية التعليقية. ولهذا لم نكن في شكّ من جهتها. وأمّا هذه القضية التعليقية فهي قضية عقلية منتزعة في طول جعل القضية الحقيقيّة من قبل الشارع، فإنّه حيث علم أنّ العلم دخيل في الموضوع، وعلم أنّ زيداً في الحالة السابقة كانت الشرائط والقيود حتى المحتملات منها قد تحقّقت في حقّه عدا هذا القيد المتيّقن وهو العلم، فكان هو الجزء الأخير من القيود، هنالك حكم العقل بأنّ هذا الجزء لو تحقق ترتّب عليه الحكم؛ لأنّ الحكم يترتّب حيث تتمّ شرائطه وقيوده. وعليه فلا معنى لإجراء الاستصحاب بلحاظ هذه القضية الثالثة.

هذه هي الصورة التي تفهم من كلام الشيخ النائيني لإبطال جريان الاستصحاب التعليقي.

يبقى بعد ذلك أن نستعرض أهمّ المناقشات التي اُثيرت حول مقالة الميرزا(رحمه الله)هذه لنرى كيف أنّها انحرفت في فهمها المقصود للميرزا(رحمه الله) فأطالت عليه بالنقد والنقاش.

فنقول: ربما يناقش كما ناقش المحقّق العراقي(قدس سره)(1) في هذا البيان بأنّ الاستصحاب لو كان يشترط في جريانه وجود موضوع ومحمول في الخارج، بحيث يكون المستصحب شاغلاً لصفحة الوجود، وقلنا: إنّ هذا لا يكون إلاّ بعد فعلية الموضوع فكيف يجري استصحاب عدم النسخ وبقاء الجعل مع أنّه ـ أيضاً ـ ليس أمراً في صفحة الوجود لعدم فرض فعلية الموضوع.

وكأنّ هذا الإشكال مبنيّ على تصوّر أنّ الميرزا(رحمه الله)يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب أمراً خارجيّاً وجوديّاً، لكنّه قد اتّضح أنّه لا يقصد هذا المعنى، وإنّما مقصوده ما ذكرناه من أنّ المستصحب لا بدّ وأن يكون أمراً يعقل تعلّق اليقين به، ويكون قضيّة يترتّب عليها أثر عملي، وهنا لا توجد إلاّ قضايا ثلاث: إحداها: القضية الحقيقة الجعليّة. وهي لا شكّ في بقائها. والثانية: القضية الفعلية الخارجية. وهي لا يقين بحدوثها.


(1) راجع نهاية الافكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 168.