المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

390

والثالثة: قضية عقلية لا معنى للاستصحاب بلحاظها.

فهذا النقض من قبل المحقق العراقي (قدس سره) على مقالة الميرزا(رحمه الله) لا محصّل له.

وأغرب منه نقض آخر أورده أيضاً(1) حاصله: أنه لو كان الموضوع يشترط فعلية وجوده حتّى يجري استصحاب الحكم فكيف يجري الفقيه استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية الكلّيّة دون أن يكون ثمّة موضوع في الخارج، فهو يجري استصحاب بقاء نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيره قبل أن يجد ماءً في الخارج قد تغيّر برهة من الزمن، ثمّ زال عنه تغيّره، بل يكتفي في ذلك بفرض ماء، وفرض تغيّره، وأنّه على ذلك التقدير كان يتنجس، فبعد زواله ـ أيضاً ـ باق على نجاسته، ولو لا كفاية فرض الحالة السابقة لما جرى الاستصحاب عند الفقيه إلاّ في موارد نادرة لا تأتي في الحسبان.

وهذا الكلام غريب جداً، فإنّ ثمّة أمرين: أحدهما: أن المستصحب ينبغي أن يكون قضيّة فعلية لا تعليقية، كي يُسرّى إلى الحالة الثانية اللاحقة. والثاني: أنّ هاتين الحالتين السابقة المتيّقنة واللاحقة المشكوكة هل يجب إحرازهما بالنظر التصديقي، بأن يكونا في الخارج بالفعل، أو يكفي للمجتهد أن يلحظهما بالنظر التصوّري، والمختار المشهور عند المحقّقين أنّ النظر التصوّري كاف في جريان الاستصحاب، ولا يحتاج إلى إحراز للحالتين السابقة واللاحقة بالنظر التصديقي، بأن يقعا في الخارج بالفعل. ولقد بيّنا فيما سبق من المباحث ـ عند البحث عن التفصيل بين الشبهة الحكمية والموضوعية ـ النكتة الفنيّة في كفاية النظر التصوّري. وعليه فكفاية فرض الحالة السابقة المتيّقنة واللاحقة المشكوكة لجريان الاستصحاب بشأن الحالة الثانية شيء وإثبات حكم بالاستصحاب على شيء لاحقاً لفعلية قيد فرض تعليق الحكم عليه سابقاً شيء آخر. ففي الأوّل الحالة السابقة محفوظة ولو بالنظر التصوّري على شكل القضية الفعلية لا التعليق على أمر مفروض الفقدان، وفي الثاني ليس الإشكال كون الحالة السابقة مجرّد حالة فرضية وتصويرية كي ينقض بموارد استصحاب الفقيه في الشبهات الحكمية، بل الإشكال هو أنّ القيد المعلّق عليه الحكم لو اُخذ في نفس عالم التصوّر والفرض الثابت للفقيه في سائر موارد الاستصحاب في الشبهات الحكمية مفروض الوجود، بأن فرض في تصوّر الفقيه أنّ زيداً كان عالماً مثلاً في زمان عدالته فإذن أصبح الاستصحاب استصحاباً لحكم تنجيزي لا لحكم تعليقي، وهذا خارج عن محل


(1) راجع نفس المصدر.