المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

392

القضية الشرطية من باب المجاز، أو الكناية والمسامحة في التعبير ونحو ذلك، فهذا خلاف ظاهر الكلام بلا قرينة، وإن قصد بذلك أنّ روح هذه العبارة ترجع إلى تلك العبارة وأنّهما في الروح واحد ببرهان عقلي، فليكن هذا صحيحاً، وليكن البرهان تامّاً، ولتكن روح القضيتين واحدة، لكن هذا لا دخل له بجريان الاستصحاب وعدمه، فإنّه في جريان الاستصحاب ينظر إلى نفس القضية التشريعية، لا إلى مآلها ومرجعها بحسب الروح، فمثلاً لو قال المولى: (إن كان شهر رمضان فصم) جرى استصحاب بقاء شهر رمضان عند الشك فيه، ووجب الصوم، وأمّا إن قال: (صم في شهر رمضان) لم يجرِ استصحاب بقائه ؛لأنّ ذلك لا يُثبت كون الصوم في شهر رمضان بنحو مفاد كان الناقصة، في حين أنّ روح القضيتين واحدة.

أقول: إنّ ما ذكره في المستمسك توجد فيه مواقع للنظر:

فأوّلاً: يرد عليه: أنّه لو تمّ ما ذكره من البرهان على جريان الاستصحاب إذا كان القيد راجعاً إلى الحكم من استحالة انفكاك المجعول عن الجعل، لم يفرّق فيه بين فرض رجوع القيد إلى الحكم أو إلى الموضوع، فإنّه عند رجوع القيد إلى الموضوع ـ أيضاً ـ يكون الجعل ثابتاً حين إنشاء القضية، فيكون المجعول ثابتاً لاستحالة الانفكاك بينهما.

وثانياً: يرد عليه: أنّه لو فرض عدم جريان الاستصحاب التعليقي إذا رجع القيد إلى الموضوع، وفرض برهان على رجوع القيد دائماً إلى الموضوع، فلا بدّ من القول بعدم جريان الاستصحاب التعليقي دائماً، ولا معنى لقوله: إن الاستصحاب تلحظ فيه نفس القضية التشريعية دون مآلها بحسب الروح، فإنّ القضية التشريعية التي يدور مدارها الاستصحاب ليست إلاّ المفاد الشرعي الذي يستفاد من الكلام بماله من القرائن الحالية والمقالية والعقلية المتصلة والمنفصلة. والبرهان العقلي على رجوع القيد إلى الموضوع قرينة على صرف القضية عن ظاهرها، وهي الشرطية إلى الحملية وقياس المقام بمثال (إن كان شهر رمضان فصم) و(صم في شهر رمضان) قياس مع الفارق، فإنّ هاتين القضيتين مفاد إحداهما غير مفاد الاُخرى، ولا توجد أيّ قرينة لإرجاع إحداهما إلى الآخرى. ومعنى وحدتهما في الروح ليس إلاّ وحدتهما في النتيجة العملية، أي: إنّ المكلّف على أيّ حال يصوم في شهر رمضان لا في شهر شعبان أو شوال مثلاً.

وثالثاً: يرد عليه: أنّ المحقّق النائيني(رحمه الله)لا يقول بما نسبه إليه، ولم يذكر أيّ برهان على رجوع قيد الحكم إلى قيد الموضوع، وكيف يقول برجوع قيد الحكم إلى قيد الموضوع مع أنّه