المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

40

بالشك» هل قصد به مطلق اليقين، أو أنّ اللام للعهد مثلاً، فقصد به اليقين بالوضوء، وكون هذا تعليلاً لا يؤثّر شيئاً في المقام أبداً، فإنّ تعليليّته لا تعطيه شمولاً، ومجرّد كونه تعليلاً لا يوجب التعدّي من المورد، وإنّما علينا أن نرى مقدار سعة العلّة، فإن كان بمقدار المورد يقتصر على المورد، وإن كان أوسع من المورد يتعدّى من المورد، وكونه بمقداره أو أوسع هو مصبّ البحث في المقام.

ولكن المحقّق العراقي(قدس سره) غيّر صياغة الكلام فذكر: أنّ المنساق عرفاً من هذا التعليل في المقام هو الشكل الأوّل من القياس، فيجب أن يكون اليقين المحكوم عليه بعدم النقض أوسع من اليقين بالوضوء(1).

والمحقّق الأصفهاني(قدس سره) ذكر تماماً عكس ذلك، فذكر في المقام بعد أن كان من المفروغ عنه عنده حمل هذا الحديث على الشكل الأوّل: أنّ الأوسط في الكبرى يجب أن يكون مساوياً تماماً للأوسط في الصغرى، وفي المقام الأوسط المتكرّر هو اليقين، وهو في الصغرى مقيّد بالوضوء، فيجب أن يكون في الكبرى ـ أيضاً ـ مقيّداً به، فيصبح قوله:«لا تنقض اليقين بالشكّ» مختصّاً باليقين بالوضوء، فَلِكي تستفاد من الحديث القاعدة الكلّيّة لا تكفي دعوى: أنّ اللام في اليقين ليس العهد، بل لابدّ من إثبات أنّ اليقين في قوله:«فانه على يقين من وضوئه» أيضاً غير مقيّد بالوضوء، فعندئذ يتّجه الاستدلال بالحديث(2).


(1) راجع المقالات: ج 2،ص 344 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي، وراجع ـ أيضاً ـ نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 42.

(2) راجع نهاية الدراية: ج 3، ص 43 بحسب طبعة آل البيت.

ولا يخفى: أنّ المفهوم من عبارة المحقّق الأصفهاني(رحمه الله) ليس هو دعوى وحدة ما وقع محمولاً في الصغرى، وهي قوله:«فانه على يقين من وضوئه» وما وقع موضوعاً في الكبرى وهي قوله:«لا تنقض اليقين بالشك» بل هو دعوى اتّحاد الحدّ الأوسط بقيوده المقوّمة، بمعنى الجامع بين أن يكون الموضوع في الكبرى والمحمول في الصغرى كلاهما عبارة عن اليقين بالوضوء، أو أن يكون قيد الوضوء في الصغرى مذكوراً من باب الموردية لا المقوّميّة، فالحدّ الأوسط في كلّ من الصغرى والكبرى هو جامع اليقين رغم وجود قيد الوضوء في طرف المحمول في الصغرى بلحاظ الموردية.

والمحقق العراقي(رحمه الله) حينما ادّعى أنّ المناسب للشكل الأوّل هو أن يكون اليقين المحكوم عليه في الكبرى بعدم النقض أوسع من اليقين بالوضوء لا يقصد به دعوى الأوسعية بلحاظ القيود المقوّمة للمحمول في الصغرى، فلا تقابل إذن بين ما يقوله المحقّق العراقي وما يقوله المحقّق الأصفهاني(رحمهما الله)، ولذا نرى أنّ عبارة(نهاية الأفكار) جمعت بين كلتا المقالتين، أيّ أنّه من ناحية ادّعت لزوم اتّحاد الحدّ الأوسط في الصغرى والكبرى بقيوده، ومن ناحية اُخرى ادّعت ضرورة كون الموضوع في الكبرى جامع اليقين.