المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

400

الغالي يحقّ للفقيه أن يفترض تغيّراً في بعض حالاته ويستصحب حرمته، حيث لا يعتبر تلك الحالة مقوّمة للموضوع، فيُرى بمنظار ذلك الحمل الأوّلي أنّ الحرمة حكم متيّقن سابقاً مشكوك لاحقاً، ولا يحقّ له أن يفترض تغيّراً في العنب ويستصحب حكمه؛ لأنّ الحكم لم يكن للعنب.

وفي الثاني والثالث يجري استصحاب الحكم بلا فرق ـ أيضاً ـ بين التصوّرين للاستصحاب.

فعلى التصوّر الأوّل، أعني تصوّر استصحاب المجعول الذي يوجد عند وجود الموضوع خارجاً، نقول: إنّ هنا مجعولين وحكمين أحدهما يتحقّق خارجاً عند وجود العنب، وهو الحكم بالقضية الشرطية، وهي (إذا غلى يحرم) أو الحملية وهي (يحرم المغليّ منه) فهذا الحكم يصبح فعلياً بمجرد وجود العنب خارجاً؛ لأنّ موضوعه هو العنب. والثاني الحرمة، وهو يتحقّق خارجاً ويكون فعلياً عند وجود العنب مع الغليان خارجاً، ونحن نستصحب الحكم الأوّل الذي نقطع بتحقّقه وفعليّته خارجاً.

وعلى التصوّر الثاني الذي هو في واقعه استصحاب للجعل بمنظار الحمل الأؤّلي يقال: إنّه يوجد لنا جعلان: أحدهما جعل قضية شرطية أو حملية على العنب، والثاني جعل الجزاء أو المحمول في تلك القضية الشرطية أو الحملية. ويكون الثاني بمنظار الحمل الأوّلي حالة ثابتة للعنب الغالي، ويكون الأوّل بمنظار الحمل الأوّلي حالة ثابتة للعنب، وهذا هو الذي نستصحبه(1).

 


(1) قد تقول: إنّ اختلاف الصيغ التعبيريّة لا يؤثّر في روح الحكم وهو الحبّ والبغض وإرادة البعث والزجر، ولا شكّ في أنّ البغض تعلّق بشرب العنب الغالي سواءً عبّر بتعبير يجعل القيدين في عرض واحد، أو بتعبير يجعل أحدهما مأخوذاً في موضوع تقدير الآخر.

والجواب: أنّه لو كانت هذه التغييرات تغييرات تعبيريّة بحت فمن الواضح أنّها لا تؤثّر في الحساب، ولكنّ المدّعى: أنّ ما يجعله المولى على عهدة المكلّف يتصوّر بنحوين وإن كانت المبادئ الكامنة في المتعلّق واحدة. وهذا أمر معقول، وتكون العبرة بما جعله المولى في العهدة، ولذا نرى أنّه في الأوامر الامتحانية تنشغل العهدة مع أنّه لا توجد مبادئ للحكم في المتعلّق أصلاً، وإنّما توجد في أصل انشغال العهدة. وقد يفترض أنّ المبادئ الواقعية تكون في إكرام العالم مثلاً، ولكنّ المولى يجعل في العهدة إكرام المعمّمين لما يعلم من التلازم بين العنوانين مع كون الثاني هو المحسوس لدى المكلّف لا الأوّل، أو لما يرى من غلبة حالة التعمّم لدى العلم مع احتمال خطأ المكلّف في اعتقاد عدم العلم في معمّم كان عالماً في الواقع، فدفعاً لاحتمال فوات المصلحة بخطأ المكلف قد يعمد إلى تغيير مصبّ انشغال العهدة من إكرام العلماء إلى إكرام المعمّمين.