المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

403

ويمكن أن يذكر في المقام إشكال ثان، وهو أنّه بهذا البيان لا تثبت الملازمة الظاهريّة، فإنّنا لو اكتشفنا باستصحاب الملازمة جعل المولى منشأ انتزاع تلك الملازمة ظاهراً، أي جعل الحرمة الظاهرية على تقدير غليان الزبيب، كان معنى ذلك الملازمة الواقعية بين غليان الزبيب والحرمة الظاهرية، والمفروض أنّ الاستصحاب يثبت حكماً ظاهرياً مماثلاً للمستصحب، لا حكماً واقعياً.

إلاّ أنّ هذا الإشكال بالإمكان الإجابة عليه إذا لم نلتزم بحرفية كون مفاد دليل الاستصحاب هو الحكم الظاهري.

توضيح ذلك: أنّ مفاد دليل الاستصحاب إنّما هو حكم اُخذ في موضوعه الشكّ في الواقع،ولوحظ فيه التحفّظ على نفس ملاكات الواقع، والمفروض أن يكون هذا الحكم مماثلاً للمستصحب. وهذا المقدار ثابت في المقام، فإنّ الملازمة الواقعية بين غليان هذا الجسم والحرمة الظاهرية مماثل للملازمة الواقعية بين غليانه والحرمة الواقعية، لفرض التماثل بين طرف هذه الملازمة وهي الحرمة الظاهرية وطرف تلك الملازمة وهي الحرمة الواقعية. وهذا الحكم المماثل، أعني الملازمة الواقعية بين غليان الزبيب والحرمة الظاهرية أخذ في موضوعه الشكّ في الملازمة الواقعية بين غليانه والحرمة الواقعية، وهذا الاستصحاب قد لوحظ فيه التحفّظ على ملاكات الواقع، ولا يوجد في مفاد دليل الاستصحاب مؤونة زائدة أزيد من هذا المقدار، فالعمدة هو الإشكال الأوّل.

الإشكال الثاني: كلام المستمسك(1) والمحقّق العراقي(رحمه الله)(2) في المقام، وهو أنّنا نختار استصحاب الحرمة الفعلية، وقولكم: إنّها لم تكن فعلية وثابتة لأنّها معلّقة على الغليان غير صحيح، فإنّ الغليان وكذا كلّ شرائط الحكم ليست شرائط للحكم وقيوداً له بوجودها الخارجي، وإنّما هي شرائط له بوجودها اللحاظي في ذهن المولى، وهو ثابت من أوّل الأمر، ولا توجد فعلية متأخّرة عن الجعل تتحقّق عند تحقّق الموضوع. إذن فالحكم كان فعلياً من أوّل الأمر، ونستصحبه.

أقول: إنّ عدم تعلّق الحكم بالقيد الخارجي صحيح، وترتّبه على الوجود اللحاظي


(1) راجع المستمسك: ج1، ص415 ـ 419، بحسب الطبعة الرابعة لمطبعة الآداب النجف الأشرف.

(2) راجع المقالات: ج2 ص400 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي، ونهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص163 ـ 167.