المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

404

للموضوع وقيوده صحيح، وعدم وجود فعلية للحكم وراء عالم الجعل توجد عند وجود الموضوع ـ أيضاً ـ صحيح، إلاّ أنّ كلّ هذا اكتنف ـ بحسب تصورات المحقق العراقي(رحمه الله)ـ بأمرين خاطئين عندنا: (الأوّل) يرتبط بكيفية تصوير حقيقة الحكم(1)، وهذا مرّ في محله، لا نتكلّم عنه هنا. (والثاني) يرتبط بالمقام، وهو تخيّل جريان الاستصحاب.

والصحيح: أنّ تلك المقدّمات لا تنتج هذه النتيجة: وتوضيح ذلك أنّ المجعول بناءً على تلك المقدّمات هو نفس الجعل. إذن نحن نستصحب نفس الجعل. إلاّ أنّ الجعل تارةً ينظر إليه بمنظار الحمل الشائع، وعندئذ ليس حكماً شرعياً مرتبطاً بالعصير المغلي، وإنما هي حالة من حالات المولى، وليس فيه شكّ في البقاء، وإنّما الذي يتصوّر فيه هو الشكّ في الحدوث دائماً، واُخرى ينظر إليه بمنظار العنوان الأوّلي، وهو بهذا المنظار عبارة عن نجاسة العنب الغالي، وهو بهذا المنظار يقع فيه شكّ في البقاء إذا لاحظنا اُفق ثبوت هذا الحكم بهذا المنظار، وهو العصير العنبي الغالي، ففي هذا الاُفق لا بأس بجريان الاستصحاب في فرض طروء تغيّر في العصير العنبي يوجب الشكّ في بقاء حكمه وأمّا إذا لاحظنا اُفقاً آخر وهو العنب غير الغالي فلا نرى بهذا المنظار ثبوت صفة الحرمة له أصلاً حتّى يشكّ في البقاء ويستصحب.

الإشكال الثالث: ما ذكره المحقّق العراقي(رحمه الله)(2).

وحاصله: اتّخاذ شقّ رابع غير الشقوق الثلاثة التي أبطلها المحقّق النائيني(رحمه الله)من استصحاب الملازمة، واستصحاب الحرمة الفعلية، واستصحاب الجعل، وهو استصحاب الحرمة استصحاباً منوطاً ومقيّداً.

بيان ذلك: أنّ العلم الفعلي قد يكون علماً مطلقاً وقد يكون علماً منوطاً، فالعلم بالملازمة بين الغليان والحرمة مثلاً علم فعلي ثابت في النفس ملازم لعلم فعلي آخر منوط ومقيّد، وهو العلم بالحرمة في اُفق الغليان، وعلى تقديره، وهذا نظير ما يتصوّر في الإخبار، فمثلاً حينما يقول: إن طلعت الشمس فالنهار موجود فهذا ليس مجرّد إخبار عن الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار، بل هو إخبار عن أمر خارجي، وهو وجود النهار كما هو واضح، ولا معنى لافتراض كونه إخباراً عن وجود النهار على الإطلاق وبلا قيد، لوضوح أنّ طلوع الشمس قيد لذلك، ومن دونه لا يوجد نهار، وهذا القيد ليس قيداً في المخبر به، وإلاّ لكان


(1) حيث ذكر أنّها عين الإرادة والكراهة، وليس الحكم أمراً جعلياً.

(2) راجع المقالات ج2 ص401 ـ 402 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي.