المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

405

إخباراً عن المقيّد والقيد، وعندئذ لا يصدق الكلام في مثل لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا ممّا لا يوجد فيه القيد، وبالتالي لا يوجد فيه المقيّد، إذن هو قيد في الإخبار، وليس معنى قيديّته في الإخبار كون طلوع الشمس بوجوده الخارجي قيداً، أي: إنّ الإخبار لم يتمّ قبل طلوع الشمس مثلاً، وذلك لبداهة تماميّة الإخبار سواءً حصل القيد خارجاً، أو لم يحصل، أو لم يكن بالإمكان أن يحصل كما في مثال تعدّد الآلهة. إذن فتعيّن أن يكون معنى قيديّته كون الشرط بوجوده التقديري والفرضي قيداً في الإخبار أي: إنّ الإخبار بوجود النهار يكون في اُفق فرض طلوع الشمس، وهذا المطلب بعينه نتصوّره في العلم(1).

إذا عرفت هذا قلنا في المقام: إنّ العلم بالملازمة بين غليان العنب وحرمته يولّد علماً فعليّاً بالحرمة في اُفق الغليان، ومعلقاً على تقديره، وهذا علم منوط ومشروط، وهذا العلم المنوط يتبعه الشكّ المنوط حينما يصير العنب زبيباً، وهذا يوجب جريان الاستصحاب المنوط، فيثبت بذلك العلم بحرمة الزبيب منوطاً بتقدير الغليان، وهو المطلوب.

وقد ذكر(رحمه الله) هذا الوجه مبنياً على مبنى جعل العلم في باب الاستصحاب، أو مبنى النهي عن نقض اليقين، أي: على المباني التي تثبت العلم بوجه من الوجوه، لا على المباني التي تثبت المتيقّن(2).

ويرد عليه: أنّ منوطيّة العلم الموجود فعلاً بالشرط وهو الغليان أمر غير معقول.

وتوضيح الكلام في ذلك: أنّ الإناطة والشرط في عالم المفاهيم لها معنى، وفي عالم الوجودات الحقيقية لها معنىً آخر، فمعنى الاشتراط في عالم المفاهيم هو التقييد والتحصيص، فحينما يُشرط الإنسان مثلاً بالعلم في قولنا: (أكرم الإنسان العالم) يكون معنى هذا الشرط


(1) إذ لو كان علمه مطلقاً لا منوطاً لصحّ له الإخبار المطلق في حين أنّه لا يصحّ له ذلك، ولو لم يكن له علم أصلاً لما صحّ له الإخبار المنوط في حين أنّه صحّ له ذلك.

(2) وإلاّ فالمفروض أنّ المتيّقن وهي الحرمة غير حاصلة في السابق؛ إذ لو رجعنا إلى مسلك فعليّة الحرمة قبل تحقّق الموضوع كان هذا يعني في نظر الشيخ العراقي رجوع الإشكال السابق، والشيخ العراقي حينما أراد تسجيل هذا الإشكال في مقالاته على الشيخ النائيني فرض التنزّل عن هذا المسلك كي يفترض عدم ورود الإشكال السابق. فلهذا كانت الحرمة غير حاصلة بالفعل في السابق، فما معنى استصحابها؟! وما هي فائدة فرض العلم المنوط بالحرمة؟!.

ولا يخفى أنّ حلّ ذلك لا يكون بمجرّد الرجوع إلى مبنى جعل العلم والطريقيّة، وإنّما حلّه يكون بالرجوع إلى مبنى: أنّ مفاد دليل الاستصحاب هو النهي عن نقض اليقين، دون فرض ذلك استطراقاً إلى نقض المتيّقن، وهذا هو الوارد في كلام الشيخ العراقي في المقالات. لا مسلك جعل العلم والطريقية.