المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

406

أنّنا أخذنا حصّة معيّنة من مفهوم الإنسان، وهي الإنسان العالم في موضوع الأمر بالإكرام، وكذلك الكلام في مفهوم الوجود أو أيّ مفهوم آخر اُريد إشراطه بشيء، فلو قيل مثلاً: (الوجود الطويل حكمه كذا) كان معنى ذلك أنّ حصّة معينة من الوجود وهو المقيّد بالطول حكمه كذا. وأمّا واقع الوجود الخارجي فليس معنى الشرط فيه التقييد والتحصيص؛ إذ هو جزئيّ خارجي لا معنىً لتحصيصه، وإنّما معنى الشرط فيه السببية والتولّد، فيقال مثلاً: (هذا الاحتراق مشروط بالنار) أي: متولد منه، وإنّ النار سبب له. وهذا المعنى من الشرط غير معقول في عالم المفاهيم؛ إذ لا سببيّة ولا تولّد في عالم المفاهيم.

وبعد بيان هذه المقدّمة نقول: إنّه في عالم التصوّر والجعل والاعتبار والفرض ونحو ذلك من التعبيرات يوجد مفهوم وهو المتصوّر، أو المجعول، أو المعتبر، أو المفروض، ويوجد وجود نفسي وهو التصوّر، أو الجعل، أو الاعتبار، أو الفرض، فحينما يتصوّر المولى حرمة العصير المشروط بالغليان، أو يجعله يصحّ أن يقال: إنّ هذه حرمة فعليّة، وفي نفس الوقت يصحّ أن يقال: إنّها حرمة مشروطة. أمّا إنّها فعلية فباعتبار وجودها الذهني. وأمّا إنّها مشروطة فبالمعنى الأوّل من الشرط واعتبار المتصور، أو المجعول الذي هو مفهوم من المفاهيم، وبالمعنى الذي يكون فعلياً ليس مشروطاً، فالحرمة باعتبار وجودها الذهني فعلية، ولكنّها بهذا الاعتبار وجود واقعي لا يقبل التقييد والتحصيص، وليست متولّدة من الشرط ومسبّبة له. هذا بلحاظ الوجود التصوّري والفرضي.

وكذلك الحال بلحاظ الوجود التصديقي، أي العلم، فيحنما يعلم بحرمة مشروطة بالغليان فالعلم وجود نفسي والمعلوم مفهوم، وهذه الحرمة بلحاظ وجودها العلمي فعلية، وهي غير مشروطة بالمعنى الأوّل؛ إذ لا تحصيص في واقع الوجودات، ولا بالمعنى الثاني؛ لأنّ هذا العلم ليس وليداً ومسبّباً للشرط.

إذن فنحن نسأل المحقق العراقي(رحمه الله): أنّه ما هو المقصود بقوله: إنّ العلم بالحرمة فعليّ منوط ومشروط بتقدير الغليان؟

فإن قصد باشتراط الغليان كون المعلوم والمفهوم مضيّقاً ومحصّصاً بتقدير الغليان، فهذا معناه أنّنا علمنا بالحرمة المقيّدة بالغليان، أي علمنا بتحقق القيد والمقيّد خارجاً معاً، وهذا خلف، وليس هذا مراده(رحمه الله)

وإن قصد به كون تقدير الغليان مأخوذاً شرطاً في نفس العلم وهو مراده(رحمه الله)قلنا: هل قصد بذلك اشتراطه بالمعنى الأوّل، أعني التحصيص والتضييق، أو بالمعنى الثاني، أعني