المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

41

أقول: إنّ الحقّ في المقام مع المحقّق العراقي(قدس سره) ونوضّح ذلك بذكر مقدمتين:

الاُولى: أنّ الشكل الأوّل له حدود ثلاثة متغايرة، ولا يمكن أن يكون الحدّ الأصغر مع الحدّ الأوسط متّحداً، كأن يقال: الإنسان إنسان، والإنسان حيوان، فالإنسان حيوان. فإنّ هذا ليس استدلالاً، وإنّما مردّه الى قضية واحدة.

الثانية: أنّ العرف حينما يرى كون ثبوت الأوسط للأصغر في غاية الوضوح يقلب التعبير بإثبات الأوسط للأصغر الى التعبير بثبوت الأصغر بنحو مفاد كان التامّة، فمثلاً حينما يسأل السائل: هل يجوع الحيوان الناطق؟ والمجيب يرى أن الجواب مايلي: (الحيوان الناطق حيوان، والحيوان يجوع، فالحيوان الناطق يجوع) فهو في التعبير العرفي يستبدل الصغرى بإثبات الأصغر بنحو مفاد كان التامّة فيقولّ: هو حيوان ناطق، والحيوان يجوع، فهو يجوع.

وبعد هاتين المقدّمتين نقول: إنّ الأوسط في المقام إمّا أن يفرض هو اليقين، أو يفرض هو اليقين بالوضوء، فإن فرض الأوّل انطبق الحديث تماماً على ما قلناه، أيّ: أنّ الصغرى كانت هكذا: (اليقين بالوضوء يقين)، وبما أنّ ثبوت الأوسط للأصغر كان في غاية الوضوح من قبيل قولنا: (الحيوان الناطق حيوان) انقلب الكلام بمقتضى ما ذكرناه في المقدمة الثانية من هذا التعبير الى التعبير بثبوت الأصغر بقوله: «فانه على يقين من وضوئه»، وبناءً على هذا الوجه يثبت المطلوب.

وإن فرض الثاني، أيّ: أنّ الأوسط في المقام هو اليقين بالوضوء قلنا: إذن ما هو الأصغر في المقام؟! فإن قيل: إنّ الأصغر هو اليقين بالوضوء كالأوسط لزم اتّحاد الأصغر والأوسط، وهذا خلف ما ذكرناه في المقدّمة الاُولى، وإن قيل: إنّ الأصغر هو اليقين الجزئي في قضية معيّنة قلنا: لم يسبق في الحديث ذكر يقين جزئي معيّن، وإنّما المذكور هو قضيّة فرضية، والشيء الفرضي يكون تشخّصه بنفس العناصر المفروضة فيه لا بوجود خارجي، والعناصر المفروضة فيه هي اليقين وكونه يقيناً بالوضوء، فيصبح الكلام في قوّة أن يقال: اليقين بالوضوء يقين بالوضوء، فرجع الإشكال بلزوم اتّحاد الأصغر والأوسط. وعليه فانحصر الأمر في أن يكون الأوسط هو اليقين، فيدلّ الحديث على الاستصحاب في مطلق اليقين، وهو المطلوب(1).


(1) لا يخفى: أنّه من الممكن افتراض أنّ الأصغر عبارة عن الرجل الذي لم يأته أمر بيّن، فيقول: هذا الرجل على يقين من وضوئه، واليقين من الوضوء لا ينقض بالشكّ.