المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

422

الثالث: أن يفرض النسخ عبارة عن حصول غاية الحكم، وهو جعل الحكم المضادّ للحكم الأوّل، وذلك بأن يقال: إنّ الأحكام منذ البدء مجعولة مغيّاة بجعل ضدّها، فقوله مثلاً: (هذا حرام) يعني كونه حراماً ما لم يجعل الحلّية.

وعلى هذا فالشكّ في النسخ مرجعه إلى الشكّ في الشبهات الموضوعية، ولم يكن قسماً ثالثاً.

وقد يورد على هذا التصوّر الأخير الاعتراض باستحالة كون عدم أحد الضدين موضوعاً للضد الآخر.

وقد يجاب عليه بأنّ هذه الاستحالة ثابتة في التكوينيات، أمّا الجعل والاعتبار فسهل المؤونة، ويمكن فرض جعل الحكم مغيّى بجعل ضدّه، فقد يدّعى أنّ المفهوم عرفاً من جعل الأحكام ذلك.

أمّا أنّ أيّاً من هذه التصوّرات الثلاثة هو الصحيح فسيأتي في آخر البحث ـ إن شاء الله ـ.

وأمّا هنا فنبحث عن أنّ استصحاب بقاء الحكم هل يجري بناءً على أي واحدة من هذه التصوّرات، أو لا.

فنقول: قد مضى في بحث الشبهات الحكمية إشكالان على استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية:

أحدهما: أنّ الشكّ في الحكم مرجعه في الحقيقة إلى الشكّ في جعل زائد معاصر للجعل الأوّل، لا في امتداد الجعل الأوّل.

وثانيهما: أنّ استصحاب المجعول معارَض باستصحاب عدم الجعل.

ويوجد هنا إشكال في استصحاب الحكم عند الشكّ في النسخ تعرّض له الشيخ الأعظم(رحمه الله)(1) وتبعه المتأخرون عنه في ذكره، وهو إشكال تعدّد الموضوع من باب أنّ الحكم كان ثابتاً على الأشخاص الذين كانوا في العصر الأوّل، ونحن اُناس آخرون لم يثبت شمول الحكم لنا من أوّل الأمر.

وشيء من هذه الإشكالات الثلاثة لا موضوع لها في المقام بناءً على التصوّر الأوّل، فإنّ المشكوك حقيقة بناءً عليه هو استمرار الجعل ودوامه، ولو دوامه العرفي، لا سعة دائرة الجعل وضيقعها في الآن الأوّل حتّى يرد الإشكال الأوّل.


(1) راجع الرسائل: ص381 بحسب الطبعة المشتملة ـ على تعليقات رحمة الله.